للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالِاسْتِفْهَامُ عَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ إِنْكَارِيٌّ، تَوَجَّهَ الْإِنْكَارُ عَلَى إِهْمَالِهِمْ لِلنَّظَرِ.

وَالرُّؤْيَةُ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بَصَرِيَّةً وَأَنْ تَكُونَ عِلْمِيَّةً. وَالِاسْتِفْهَامُ صَالِحٌ لِأَنْ يَتَوَجَّهُ إِلَى كِلْتَيْهِمَا لِأَنَّ إِهْمَالَ النَّظَرِ فِي الْمُشَاهَدَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى عِلْمِ مَا يُنْقِذُ عِلْمُهُ مِنَ التَّوَرُّطِ فِي الْعَقَائِدِ الضَّالَّةِ حَقِيقٌ بِالْإِنْكَارِ، وَإِنْكَارُ إِعْمَالِ الْفِكْرِ فِي دَلَالَةِ الْأَشْيَاءِ عَلَى لَوَازِمِهَا حَتَّى لَا يَقَعَ أَحَدٌ فِي الضَّلَالِ جَدِيرٌ أَيْضًا بِالْإِنْكَارِ أَوْ بِالتَّقْرِيرِ الْمَشُوبِ بِإِنْكَارٍ كَمَا سَنُفَصِّلُهُ.

وَالرَّتْقُ: الِاتِّصَالُ وَالتَّلَاصُقُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ.

وَالْفَتْقُ: ضِدُّهُ، وَهُوَ الِانْفِصَالُ وَالتَّبَاعُدُ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ.

وَالْإِخْبَارُ عَنِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِأَنَّهُمَا رَتْقٌ إِخْبَارٌ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي حُصُولِ الصِّفَةِ.

ثُمَّ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى كانَتا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَا مَعًا رَتْقًا وَاحِدًا بِأَنْ تَكُونَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ جِسْمًا مُلْتَئِمًا مُتَّصِلًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ سَمَاءٍ رَتْقًا عَلَى حِدَتِهَا، وَالْأَرْضُ رَتْقًا عَلَى حِدَتِهَا وَكَذَلِكَ الِاحْتِمَالُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَفَتَقْناهُما.

وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ نَحْوَ: فَصَارَتَا فَتْقًا، لِأَنَّ الرَّتْقَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُمَا أَشَدَّ تَمَكُّنٍ كَمَا قُلْنَا لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ فِي فَتْقِهِمَا، وَلِدَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَى حَدَثَانِ الْفَتْقِ إِيمَاءً إِلَى حُدُوثِ الْمَوْجُودَاتِ كُلِّهَا وَأَنْ لَيْسَ مِنْهَا أَزَلِيٌّ.

وَالرَّتْقُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعَانٍ تَنْشَأُ عَلَى مُحْتَمَلَاتِهَا مَعَانٍ فِي الْفَتْقِ، فَإِنِ اعْتَبَرْنَا الرُّؤْيَةَ بَصْرِيَّةً فَالرَّتْقُ الْمُشَاهَدُ هُوَ مَا يُشَاهِدُهُ الرَّائِي مِنْ عَدَمِ تَخَلُّلِ شَيْءٍ بَيْنَ أَجْزَاءِ السَّمَاوَاتِ وَبَيْنَ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ،