الشَّمْسِ عَقِبَ ذِكْرِ خَلْقِ النَّهَارِ مُنَاسَبَةٌ قَوِيَّةٌ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَنْشَأِ خَلْقِ النَّهَارِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
وَأَمَّا ذِكْرُ خَلْقِ الْقَمَرِ فَلِمُنَاسَبَةِ خَلْقِ الشَّمْسِ، وَلِلتَّذْكِيرِ بِمِنَّةِ إِيجَادِ مَا يُنِيرُ عَلَى النَّاسِ بَعْضَ النُّورِ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِ الظُّلْمَةِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْمِنَنِ.
كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْأَشْيَاءَ الْمُتَضَادَّةَ بِالْحَقَائِقِ أَوْ بِالْأَوْقَاتِ ذِكْرًا مُجْمَلًا فِي بَعْضِهَا الَّذِي هُوَ آيَاتُ السَّمَاءِ، وَمُفَصَّلًا فِي بَعْضٍ آخَرَ وَهُوَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، كَانَ الْمَقَامُ مُثِيرًا فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ سُؤَالًا عَنْ كَيْفِيَّةِ سَيْرِهَا وَكَيْفَ لَا يَقَعُ لَهَا اصْطِدَامٌ أَوْ يَقَعُ مِنْهَا تَخَلُّفٌ عَنِ الظُّهُورِ فِي وَقْتِهِ الْمَعْلُومِ، فَأُجِيبَ بِأَنَّ كُلَّ الْمَذْكُورَاتِ لَهُ فَضَاءٌ يَسِيرُ
فِيهِ لَا يُلَاقِي فَضَاءَ سَيْرِ غَيْرِهِ.
وَضَمِيرُ يَسْبَحُونَ عَائِدٌ إِلَى عُمُومِ آيَاتِ السَّمَاءِ وَخُصُوصِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. وَأُجْرِيَ عَلَيْهَا ضَمِيرُ جَمَاعَةِ الذُّكُورِ بِاعْتِبَارِ تَذْكِيرِ أَسْمَاءِ بَعْضِهَا مِثْلَ الْقَمَرِ وَالْكَوْكَبِ.
وَقَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «إِنَّهُ رُوعِيَ فِيهِ وَصَفُهَا بِالسِّبَاحَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ فَأُجْرِيَ عَلَيْهَا أَيْضًا ضَمِيرُ الْعُقَلَاءِ، يَعْنِي فَيَكُونُ ذَلِكَ تَرْشِيحًا لِلِاسْتِعَارَةِ» .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي فَلَكٍ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ خَبَرٌ عَنْ كُلٌّ، وكُلٌّ مُبْتَدَأٌ وَتَنْوِينُهُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ كُلُّ تِلْكَ، فَهُوَ مَعْرِفَةٌ تَقْدِيرًا. وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الِاسْتِئْنَافِ بِأَنْ يُفَادَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَذْكُورَاتِ مُسْتَقِرٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute