للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَوْ هُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ [الْكَهْفِ: ١٠٦] قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً.

وَجُمْلَةُ أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً فَهِيَ فِي مَعْنَى قَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً لِأَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ يَكُونُ بِالْكَلَامِ. وَقَدِ انْحَصَرَ اتِّخَاذُهُمْ إِيَّاهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ دُونَ أَنْ يَخْلِطُوهُ بِحَدِيثٍ آخَرَ فِي شَأْنِهِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّحْقِيرِ، بِقَرِينَةِ الِاسْتِهْزَاءِ.

وَمَعْنَى يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ يَذْكُرُهُمْ بِسُوءٍ، بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ، لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَا يَذْكُرُ بِهِ

آلِهَتَهُمْ مِمَّا يَسُوءُهُمْ، فَإِنَّ الذِّكْرَ يَكُونُ بِخَيْرٍ وَبِشَرٍّ فَإِذَا لَمْ يُصَرَّحْ بِمُتَعَلِّقِهِ يُصَارُ إِلَى الْقَرِينَةِ كَمَا هُنَا وكما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الْآتِي: قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ [الْأَنْبِيَاء: ٦٠] . وَكَلَامُهُمْ مَسُوقٌ مَسَاقَ الْغَيْظِ وَالْغَضَبِ، وَلِذَلِكَ أَعْقَبَهُ اللَّهُ بِجُمْلَةِ الْحَالِ وَهِيَ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ، أَيْ يَغْضَبُونَ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ آلِهَتُهُمْ بِمَا هُوَ كَشْفٌ لِكُنْهِهَا الْمُطَابِقِ لِلْوَاقِعِ فِي حَالِ غَفْلَتِهِمْ عَن ذكر الرحمان الَّذِي هُوَ الْحَقِيقُ بِأَنْ يَذْكُرُوهُ. فَالذِّكْرُ الثَّانِي مُسْتَعْمَلٌ فِي الذِّكْرِ بِالثَّنَاءِ وَالتَّمْجِيدِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ المُرَاد بِذكر الرحمان هُنَا الْقُرْآنُ، أَيِ الذِّكْرُ الْوَارِد من الرحمان. وَالْمُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالُ مِنْ ذِكْرٍ إِلَى ذِكْرٍ. وَمَعْنَى كفرهم بِذكر الرحمان إِنْكَارُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ آيَةً دَالَّةً عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ [الْأَنْبِيَاء: ٥] . وَأَيْضًا كُفْرُهُمْ بِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ إِثْبَاتِ الْبَعْثِ.

وَعَبَّرَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بَاسِمِ الرَّحْمنِ تَوَرُّكًا عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا يَأْبَوْنَ أَن يكون الرحمان اسْمًا لِلَّهِ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً

فِي سُورَةِ [الْفُرْقَانِ: ٦٠] .