وَأَهَمُّهَا مَصْلَحَةُ إِمْهَالِ الْقَوْمِ حَتَّى يَدْخُلَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ فِي الْإِسْلَامِ. وَالْوَجْهُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ الْأُولَى تَمْهِيدًا لِلثَّانِيَةِ.
وَالْعَجَلُ: السُّرْعَةُ. وَخَلْقُ الْإِنْسَانَ مِنْهُ اسْتِعَارَةٌ لِتَمَكُّنِ هَذَا الْوَصْفِ مِنْ جِبِلَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ. شُبِّهَتْ شِدَّةُ مُلَازمَة الْوَصْف بِكَوْنِهِ مَادَّة لتكوين مَوْصُوفَةً، لِأَنَّ ضَعْفَ صِفَةِ الصَّبْرِ فِي الْإِنْسَانِ مِنْ مُقْتَضَى التَّفْكِيرِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالْكَرَاهِيَةِ. فَإِذَا فَكَّرَ الْعَقْلُ فِي شَيْءٍ مَحْبُوبٍ اسْتَعْجَلَ حُصُولَهُ بِدَاعِي الْمَحَبَّةِ، وَإِذَا فَكَّرَ فِي شَيْءٍ مَكْرُوهٍ اسْتَعْجَلَ إِزَالَتَهُ بِدَاعِي الْكَرَاهِيَةِ، وَلَا تَخْلُو أَحْوَالُ الْإِنْسَانِ عَنْ هَذَيْنِ، فَلَا جَرَمَ كَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا بِالطَّبْعِ فَكَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنَ الْعَجَلَةِ. وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا [الْإِسْرَاء: ١١] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً [المعارج: ١٩] . ثُمَّ إِنَّ أَفْرَادَ النَّاسِ مُتَفَاوِتُونَ فِي هَذَا الِاسْتِعْجَالِ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي غور النّظر والفكر وَلَكِنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَخْلُونَ عَنْهُ. وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَ الْعَجَلَ بِالطِّينِ وَزَعَمَ أَنَّهَا كَلِمَةٌ حِمْيَرِيَّةٌ فَقَدْ أَبْعَدَ وَمَا أَسْعَدَ.
وَجُمْلَةُ سَأُرِيكُمْ آياتِي هِيَ الْمَقْصُودُ مِنَ الِاعْتِرَاضِ. وَهِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ.
وَالْمَعْنَى: وَعْدٌ بِأَنَّهُمْ سَيَرَوْنَ آيَاتِ اللَّهِ فِي نَصْرِ الدِّينِ، وَذَلِكَ بِمَا حَصَلَ يَوْمَ بَدْرٍ من النَّصْر وَهلك أيمة الشِّرْكِ وَمَا حَصَلَ بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ الْإِسْلَامِ الَّتِي كَانَ النَّصْرُ فِيهَا عَاقِبَةَ الْمُسْلِمِينَ.
وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْوَعْدِ نَهْيٌ عَنْ طَلَبِ التَّعْجِيلِ، أَيْ عَلَيْكُمْ أَنْ تَكِلُوا ذَلِكَ إِلَى مَا يُوَقِّتُهُ اللَّهُ وَيُؤَجِّلُهُ، وَلِكُلِّ أَجَلِ كِتَابٌ. فَهُوَ نَهْيٌ عَنِ التَّوَغُّلِ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ وَعَنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ الَّتِي تُفْضِي إِلَى الشَّكِّ فِي الْوَعِيدِ.
وَحُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ كَلِمَةِ تَسْتَعْجِلُونِ تَخْفِيفًا مَعَ بَقَاءِ حَرَكَتِهَا فَإِذَا وُقِفَ عَلَيْهِ حُذِفَتِ الْحَرَكَةُ من النُّون.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute