وَقُدِّمَ اللَّيْلُ لِأَنَّهُ زَمَنُ الْمَخَاوِفِ لِأَنَّ الظَّلَامَ يُعِينُ أَسْبَابَ الضُّرِّ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى مُبْتَغَاهَا مِنْ إِنْسَانٍ وَحَيَوَانٍ وَعِلَلِ الْأَجْسَامِ.
وَذِكْرُ النَّهَارِ بَعْدَهُ لِلِاسْتِيعَابِ.
وَمَعْنَى مِنَ الرَّحْمنِ مِنْ بَأْسِهِ وَعَذَابِهِ.
وَجِيءَ بَعْدَ هَذَا التَّفْرِيعِ بِإِضْرَابَاتٍ ثَلَاثَةٍ انْتِقَالِيَّةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّدْرِيجِ الَّذِي هُوَ شَأْنُ الْإِضْرَابِ.
فَالْإِضْرَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ، وَهُوَ ارْتِقَاءٌ مِنَ التَّقْرِيعِ الْمَجْعُولِ لِلْإِصْلَاحِ إِلَى التَّأْيِيسِ مِنْ صَلَاحِهِمْ بِأَنَّهُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ فَلَا يُرْجَى مِنْهُمُ الِانْتِفَاعُ بِالْقَوَارِعِ، أَيْ أَخِّرِ السُّؤَالَ وَالتَّقْرِيعَ وَاتْرُكْهُمْ حَتَّى إِذَا تَوَرَّطُوا فِي الْعَذَابِ عَرَفُوا أَن لَا كالىء لَهُمْ.
ثُمَّ أَضْرَبَ إِضْرَابًا ثَانِيًا بِ (أَمْ) الْمُنْقَطِعَةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُ (بَلْ) مَعَ دَلَالَتِهَا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ لِقَصْدِ التَّقْرِيعِ فَقَالَ: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا، أَيْ بَلْ أَلَهُمَ آلِهَةٌ.
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ وَتَقْرِيعٌ، أَيْ مَا لَهُمْ آلِهَةٌ مَانِعَةٌ لَهُمْ مِنْ دُونِنَا. وَهَذَا إِبْطَالٌ لِمُعْتَقَدِهِمْ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا الْأَصْنَامَ شُفَعَاءَ.
وَجُمْلَةُ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ مُسْتَأْنَفَةٌ مُعْتَرِضَةٌ. وَضَمِيرُ يَسْتَطِيعُونَ عَائِدٌ إِلَى آلِهَةٍ أُجْرِيَ عَلَيْهِمْ ضَمِيرُ الْعُقَلَاءِ مُجَارَاةً لِمَا يُجْرِيهِ الْعَرَبُ فِي كَلَامِهِمْ. وَالْمَعْنَى: كَيْفَ يَنْصُرُونَهُمْ وَهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ، وَلَا هُمْ مُؤَيَّدُونَ مِنَ اللَّهِ بِالْقَبُولِ.
ثُمَّ أَضْرَبَ إِضْرَابًا ثَالِثًا انْتَقَلَ بِهِ إِلَى كَشْفِ سَبَبِ غُرُورِهِمُ الَّذِي مِنْ جَهْلِهِمْ بِهِ حَسِبُوا أَنْفُسَهُمْ آمِنِينَ مِنْ أَخْذِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ فَجَرَّأَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute