للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقُلْتُ: كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَقْبُولٌ وَالْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ أَحْوَالِ الْآخِرَةِ إِنَّمَا هِيَ تَقْرِيبٌ لَنَا بِمُتَعَارَفِنَا وَاللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَلَيْسَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ تُعْرَفُ قُدْرَةُ

اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُعْتَادِ الْمُتَعَارَفِ تُجْحَدُ تَصَرُّفَاتُهُ تَعَالَى.

وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْتِزَامَ صِيغَةِ جَمْعِ الْمَوَازِينَ فِي الْآيَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الْمِيزَانُ يُرَجِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَزْنِ فِيهَا مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ وَأَنَّ بَيَانَهُ بِقَوْلِهِ الْقِسْطَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يُزِيدُ ذَلِكَ تَرْجِيحًا.

وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْوَزْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فِي [سُورَةِ الْأَعْرَافِ: ٨] .

وَالْقِسْطُ: الْعَدْلُ، وَيُقَالُ: الْقِسْطَاسُ، وَهُوَ كَلِمَةٌ مُعَرَّبَةٌ مِنَ اللُّغَة الرومية (اللاطينية) .

وَقَدْ نَقَلَ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ «صَحِيحِهِ» ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ.

فَعَلَى اعْتِبَارِ جَعْلِ الْمَوَازِينِ حَقِيقَةً فِي آلَاتِ وَزْنٍ فِي الْآخِرَةِ يَكُونُ لَفْظُ الْقِسْطِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْعَدْلِ لِلْمَوَازِينِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ ذَاتِ الْقِسْطِ، وَعَلَى اعْتِبَارٍ فِي الْمَوَازِينِ فِي الْعَدْلِ يَكُونُ لَفْظُ الْقِسْطِ بَدَلًا مِنَ الْمَوَازِينِ فَيَكُونُ تَجْرِيدًا بَعْدَ التَّرْشِيحِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ فَإِنَّهُ مُصَدَرٌ صَالِحٌ لِذَلِكَ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لِيَوْمِ الْقِيامَةِ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعِلَّةِ مَعَ تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ لِأَجْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَيِ الْجَزَاءِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّوْقِيتِ بِمَعْنَى (عِنْدَ) الَّتِي هِيَ لِلظَّرْفِيَّةِ الْمُلَاصِقَةِ كَمَا يُقَالُ: كُتِبَ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ كَذَا، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى:

فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطَّلَاق: ١] أَيْ نَضَعُ الْمَوَازِينَ عِنْدَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.