للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٥٧)

أُعْقِبَتْ قِصَّةُ مُوسَى وَهَارُونَ بِقِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ مُقَاوَمَةِ الشِّرْكِ وَوُضُوحِ الْحُجَّةِ عَلَى بُطْلَانِهِ، لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ هُوَ الْمَثَلَ الْأَوَّلَ قَبْلَ مَجِيءِ الْإِسْلَامِ فِي مُقَاوَمَةِ الشِّرْكِ إِذْ قَاوَمَهُ بِالْحُجَّةِ وَبِالْقُوَّةِ وَبِإِعْلَانِ التَّوْحِيدِ إِذْ أَقَامَ لِلتَّوْحِيدِ هَيْكَلًا بِمَكَّةَ هُوَ الْكَعْبَةُ وَبِجَبَلِ (نَابُو) مِنْ بِلَادِ الْكَنْعَانِيِّينَ حَيْثُ كَانَتْ مَدِينَةٌ تُسَمَّى يَوْمَئِذٍ (لَوْزَا) ثُمَّ بَنَى بَيْتَ إِيلَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَوْضِعِ مَدِينَةِ (أُورْشَلِيمَ) فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُقِيمَ بِهِ هَيْكَلُ سُلَيْمَانَ مِنْ بَعْدُ، فَكَانَتْ قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ مَعَ قَوْمِهِ شَاهِدًا عَلَى بُطْلَانِ الشِّرْكِ الَّذِي كَانَ مُمَاثِلًا لِحَالِ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ الَّذِينَ جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَطْعِ دَابِرِهِ. وَفِي ذِكْرِ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ تَوَرُّكٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ إِذْ كَانُوا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي نَعَاهَا جَدُّهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَلَى قَوْمِهِ، وَكَفَى بِذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. وَأَيْضًا فَإِنَّ شَرِيعَةَ إِبْرَاهِيمَ أَشْهَرُ شَرِيعَةٍ بَعْدَ شَرِيعَةِ مُوسَى.

وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ عَنْهُ بِلَامِ الْقَسَمِ لِلْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَاهُ آنِفًا فِي تَأْكِيدِ الْخَبَرِ عَنْ مُوسَى وَهَارُونَ، وَهُوَ تَنْزِيلُ الْعَرَبِ فِي مُخَالَفَتِهِمْ لِشَرِيعَةِ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ مَنْزِلَةَ الْمُنْكِرِ لِكَوْنِ إِبْرَاهِيمَ

أُوتِيَ رُشْدًا وَهَدْيًا.

وَكَذَلِكَ الْإِخْبَارُ عَنْ إِيتَاءِ الرُّشْدِ إِبْرَاهِيمَ بِإِسْنَادِ الْإِيتَاءِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ لِمِثْلِ مَا قَرَّرَ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَهَارُونَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى تَفْخِيمِ ذَلِكَ الرُّشْدِ الَّذِي أُوتِيَهُ.

وَالرُّشْدُ: الْهُدَى وَالرَّأْيُ الْحَقُّ، وَضِدُّهُ الْغَيُّ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فِي [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ٢٥٦] . وَإِضَافَةُ الرُّشْدُ إِلَى ضَمِيرِ