وَهَذَا الْعَمَلُ الَّذِي عَمِلَهُ إِبْرَاهِيمُ عَمِلَهُ بَعْدَ أَنْ جَادَلَ أَبَاهُ وَقَوْمَهُ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْكَوَاكِبِ وَرَأَى جِمَاحَهُمْ عَنِ الْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ.
وَقَوْلُ قَوْمِهِ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِمْ أَنْ يَكُونَ كَبِيرُ الْآلِهَةِ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ هُمْ فَرِيقٌ لَمْ يَسْمَعْ تَوَعُّدَ إِبْرَاهِيمَ إِيَّاهُمْ بِأَنْ يَكِيدَ أَصْنَامَهُمْ وَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ هُمُ الَّذِينَ تَوَعَّدَ إِبْرَاهِيمُ الْأَصْنَامَ بِمَسْمَعٍ مِنْهُمْ.
وَالْفَتَى: الذَّكَرُ الَّذِي قَوِيَ شَبَابُهُ. وَيَكُونُ مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْإِبِلِ. وَالْأُنْثَى: فَتَاةٌ، وَقَدْ يُطْلِقُونَهُ صِفَةَ مَدْحٍ دَالَّةً عَلَى اسْتِكْمَالِ خِصَالِ الرَّجُلِ الْمَحْمُودَةِ.
وَالذِّكْرُ: التَّحَدُّثُ بِالْكَلَامِ.
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ «يَذْكُرُ» لِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ عَلَيْهِ، أَيْ يَذْكُرُهُمْ بِتَوَعُّدٍ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ [الْأَنْبِيَاء: ٣٦] كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمَوْضِعُ جُمْلَتَيْ يَذْكُرُهُمْ ويُقالُ لَهُ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِ فَتًى.
وَفِي قَوْلِهِمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُنْتَصِبِينَ لِلْبَحْثِ فِي الْقَضِيَّةِ لَمْ يَكُونُوا
يَعْرِفُونَ إِبْرَاهِيمَ، أَوْ أَنَّ الشُّهَدَاءَ أَرَادُوا تَحْقِيرَهُ بِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ وَإِنَّمَا يُدْعَى أَوْ يُسَمَّى إِبْرَاهِيمَ، أَيْ لَيْسَ هُوَ مِنَ النَّاسِ الْمَعْرُوفِينَ.
وَرُفِعَ إِبْراهِيمُ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلِ يُقالُ، لِأَنَّ فِعْلَ الْقَوْلِ إِذَا بُنِيَ إِلَى الْمَجْهُولِ كَثِيرًا مَا يَضْمَنُ مَعْنَى الدَّعْوَةِ أَوِ التَّسْمِيَةِ، فَلِذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute