للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٧٣)

هَذِهِ نَجَاةٌ ثَانِيَةٌ بَعْدَ نَجَاتِهِ مِنْ ضُرِّ النَّارِ، هِيَ نَجَاتُهُ مِنَ الْحُلُولِ بَيْنَ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَهُ كَافِرِينَ بِرَبِّهِ وَرَبِّهِمْ، وَهِيَ نَجَاةٌ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ وَفَسَادِ الِاعْتِقَادِ. وَتِلْكَ بِأَنْ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ الْمُهَاجَرَةَ مِنْ بِلَادِ (الْكَلْدَانِ) إِلَى أَرْضِ (فِلَسْطِينَ) وَهِيَ بِلَادُ (كَنْعَانَ) .

وَهِجْرَةُ إِبْرَاهِيمَ هِيَ أَوَّلُ هِجْرَةٍ فِي الْأَرْضِ لِأَجْلِ الدِّينِ. وَاسْتَصْحَبَ إِبْرَاهِيمُ مَعَهُ لُوطًا ابْنَ أَخِيهِ (هَارَانَ) لِأَنَّهُ آمَنَ بِمَا جَاءَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ. وَكَانَتْ سَارَةُ امْرَأَةُ إِبْرَاهِيمَ مَعَهُمَا، وَقَدْ فُهِمَتْ مَعِيَّتُهَا مِنْ أَنَّ الْمَرْءَ لَا يُهَاجِرُ إِلَّا وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ.

وَانْتَصَبَ لُوطاً عَلَى الْمَفْعُولِ مَعَهُ لَا عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِأَنَّ لُوطًا لَمْ يَكُنْ مُهَدَّدًا مِنَ الْأَعْدَاءِ لِذَاتِهِ فَيَتَعَلَّقَ بِهِ فِعْلُ الْإِنْجَاءِ.

وَضَمِنَ نَجَّيْناهُ مَعْنَى الْإِخْرَاجِ فَعُدِّيَ بِحَرْفِ (إِلَى) .

وَالْأَرْضُ: هِيَ أَرْضُ فِلَسْطِينَ. وَوَصَفَهَا اللَّهُ بِأَنَّهُ بَارَكَهَا لِلْعَالَمِينَ، أَيْ لِلنَّاسِ، يَعْنِي السَّاكِنِينَ بِهَا لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا أَرْضَ خِصْبٍ وَرَخَاءِ عَيْشٍ وَأَرْضَ أَمْنٍ. وَوَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ: أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: إِنَّهَا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا.

وَالْبَرَكَةُ: وَفْرَةُ الْخَيْرِ وَالنَّفْعُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً فِي [سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: ٩٦] .

وَهِبَةُ إِسْحَاقَ لَهُ ازْدِيَادُهُ لَهُ عَلَى الْكِبَرِ وَبَعْدَ أَنْ يَئِسَتْ زَوْجُهُ سَارَةُ مِنَ الْوِلَادَةِ.