للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ يَهْدُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مُقَيِّدَةٌ لِمَعْنَى الْإِمَامَةِ، أَي أَنهم أيمة هُدًى وإرشاد.

وَقَوله بِأَمْرِنا أَيْ كَانُوا هَادِينَ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَهُوَ الْوَحْيُ زِيَادَةً عَلَى الْجَعْلِ. وَفِي «الْكَشَّافِ» : «فِيهِ أَنَّ مَنْ صَلَحَ لِيَكُونَ قُدْوَةً فِي دِينِ اللَّهِ فَالْهِدَايَةُ مَحْتُومَةٌ عَلَيْهِ مَأْمُورٌ هُوَ بِهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخِلَّ بِهَا وَيَتَثَاقَلَ عَنْهَا. وَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنْ يَهْتَدِيَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهُدَاهُ أَعَمُّ وَالنُّفُوسُ إِلَى الِاهْتِدَاءِ بِالْمَهْدِيِّ أَمْيَلُ» اه.

وَهَذَا الْهَدْيُ هُوَ تَزْكِيَةُ نُفُوسِ النَّاسِ وَإِصْلَاحُهَا وَبَثُّ الْإِيمَانِ وَيَشْمَلُ هَذَا شُؤُونَ الْإِيمَانِ وَشُعَبَهُ وَآدَابَهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ فَذَلِكَ إِقَامَةُ شَرَائِعِ الدِّينِ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ. وَقَدْ شَمِلَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِعْلَ الْخَيْراتِ.

وفِعْلَ الْخَيْراتِ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْخَيْراتِ، وَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ لِأَنَّ الْخَيْرَاتِ مَفْعُولَةٌ وَلَيْسَتْ فَاعِلَةً فَالْمَصْدَرُ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ مَفْعُولُهُ، وَأَمَّا الْفَاعِلُ فَتَبَعٌ لَهُ، أَيْ أَنْ يَفْعَلُوا هُمْ وَيَفْعَلَ قَوْمُهُمُ الْخَيْرَاتِ،

حَتَّى تَكُونَ الْخَيْرَاتُ مَفْعُولَةً لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ، فَحَذَفَ الْفَاعِلَ لِلتَّعْمِيمِ مَعَ الِاخْتِصَارِ لِاقْتِضَاءِ الْمَفْعُولِ إِيَّاهُ.

وَاعْتِبَارُ الْمَصْدَرِ مَصْدَرًا لِفِعْلٍ مَبْنِيٍّ لِلنَّائِبِ جَائِزٌ إِذَا قَامَتِ الْقَرِينَةُ. وَهَذَا مَا يُؤْذِنُ بِهِ صَنِيعُ الزَّمَخْشَرِيِّ. عَلَى أَنَّ الْأَخْفَشَ أَجَازَهُ بِدُونِ شَرْطٍ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلَ الْخَيْراتِ هُوَ الْمُوحَى بِهِ، أَيْ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ هَذَا الْكَلَامَ، فَيَكُونَ الْمَصْدَرُ قَائِمًا مَقَامَ الْفِعْلِ مُرَادًا بِهِ الطَّلَبُ، وَالتَّقْدِيرُ: افْعَلُوا الْخَيْرَاتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ [مُحَمَّد: ٤] .