وَلَمْ يَكُنْ نَبِيئًا، وَأَمَّا تَدْبِيرُ الْأُمُورِ فَكَانَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْقُضَاةِ مثل (صمويل) .
فداوود أَوَّلُ مَنْ جُمِعَتْ لَهُ النُّبُوءَةُ وَالْمُلْكُ فِي أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَبَلَغَ مُلْكُ إِسْرَائِيلَ فِي مُدَّة دَاوُود حَدًّا عَظِيمًا مِنَ الْبَأْسِ وَالْقُوَّة وإخضاع الْأَعْدَاء. وأوتي دَاوُود الزَّبُورَ فِيهِ حِكْمَةٌ وَعِظَةٌ فَكَانَ تَكْمِلَةً لِلتَّوْرَاةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْلِيمَ شَرِيعَةٍ، فاستكمل زمن دَاوُود الْحِكْمَةَ وَرَقَائِقَ الْكَلَامِ.
وَأُوتِيَ سُلَيْمَانُ الْحِكْمَةَ وَسُخِّرَ لَهُ أَهْلُ الصَّنَائِعِ وَالْإِبْدَاعِ فَاسْتَكْمَلَتْ دَوْلَةُ إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِهِ عَظَمَةَ النِّظَامِ وَالثَّرْوَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالتِّجَارَةِ فَكَانَ فِي قصَّتهَا مَثَلٌ.
وَكَانَتْ تِلْكَ الْقِصَّةُ مُنْتَظِمَةً فِي هَذَا السِّلْكِ الشَّرِيفِ سِلْكِ إِيتَاءِ الْفُرْقَانِ وَالْهُدَى وَالرُّشْدِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى الْخَيْرِ وَالْحُكْمِ وَالْعِلْمِ.
وَكَانَ فِي قصَّة دَاوُود وَسُلَيْمَانَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَصْلِ الِاجْتِهَادِ وَعَلَى فِقْهِ الْقَضَاءِ فَلذَلِك خص دَاوُود وَسُلَيْمَانُ بِشَيْءٍ مِنْ تَفْصِيلِ أَخْبَارِهِمَا فَيَكُونُ داوُدَ عَطْفًا عَلَى نُوحاً فِي قَوْله وَنُوحاً [الْأَنْبِيَاء: ٧٦] ، أَي وآتينا دَاوُود وَسُلَيْمَانَ حُكْمًا وَعِلْمًا إِذْ يَحْكُمَانِ ... إِلَى آخِرِهِ. فَ إِذْ يَحْكُمانِ مُتَعَلِّقٌ بِ (آتَيْنَا) الْمَحْذُوفِ، أَيْ كَانَ وَقْتُ حُكْمِهِمَا فِي قَضِيَّةِ الْحَرْثِ مَظْهَرًا مِنْ مظَاهر حكمهمَا وعلمهما.
وَالْحُكْمُ: الْحِكْمَةُ، وَهُوَ النُّبُوءَةُ. وَالْعِلْمُ: أَصَالَةُ الْفَهْمِ. وإِذْ نَفَشَتْ مُتَعَلِّقٌ بِ يَحْكُمانِ.
فَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الْآيَةُ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الْعَدْلِ وَمَبَالِغِ تَدْقِيقِ فِقْهِ الْقَضَاءِ، وَالْجَمْعُ بَين الْمصَالح والتفاضل بَيْنَ مَرَاتِبِ الِاجْتِهَادِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute