الْإِسْلَامِ فَفَسَّرُوا (عِنْدَ) بِمَعْنَى الْكِتَابِ أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَوْ حَذْفِ مَوْصُولٍ ثُمَّ سَلَكَ مُتَعَقِّبُوهُمْ فِي إِعْرَابِهِ غَايَةَ الْإِغْرَابِ.
وَقَوْلُهُ: أَفَلا تَعْقِلُونَ مِنْ بَقِيَّةِ مَقُولِهِمْ لِقَوْمِهِمْ وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ خِطَابًا مِنَ اللَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ تَذْيِيلًا لِقَوْلِهِ: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [الْبَقَرَة: ٧٥] لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسُوا جَدِيرِينَ بِمِثْلِ هَذَا التَّوْبِيخِ وَحَسْبُهُمْ مَا تَضَمَّنَهُ الِاسْتِفْهَامُ مِنَ الِاسْتِغْرَابِ أَوِ النَّهْيِ.
فَإِنْ قلت: لم لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ جَوَابُ الْمُخَاطَبِينَ بِالتَّبَرُّؤِ مِنْ أَنْ يَكُونُوا حَدَّثُوا الْمُؤْمِنِينَ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ كَمَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ؟
قُلْتُ: لَيْسَ الْقُرْآنُ بِصَدَدِ حِكَايَةِ مُجَادَلَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ فَإِنَّهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُحْكَى مِنْهَا مَا فِيهِ شَنَاعَةُ حَالِهِمْ وَسُوءُ سُلُوكِهِمْ وَدَوَامُ إِصْرَارِهِمْ وَانْحِطَاطُ أَخْلَاقِهِمْ فَتَبِرِّيهِمْ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ كُبَرَاؤُهُمْ مِنَ التُّهْمَةِ مَعْلُومٌ، لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُحَدِّثُوا الْمُسْلِمِينَ بِشَيْءٍ وَلِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ إِلَخْ. وَأَمَّا مَا فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ تَنَصُّلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ إِنَّا مَعَكُمْ فَلِأَنَّ فِيهِ التَّسْجِيلَ عَلَيْهِم فِي قَوْلهم فِيهِ: إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ.
وَقَوْلُهُ: أَوَلا يَعْلَمُونَ الْآيَةَ، الِاسْتِفْهَامُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ فَهُوَ إِمَّا مَجَازٌ فِي التَّقْرِيرِ أَيْ لَيْسُوا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ التَّقْرِيرُ بِلَازِمِهِ وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ اللَّهُ يَعْلَمُهُ فَقَدْ عَلِمَهُ رَسُولُهُ وَهَذَا لُزُومٌ عُرْفِيٌّ ادِّعَائِي فِي الْمَقَامِ الْخَطَابِيِّ أَوْ مَجَازٌ فِي التَّوْبِيخِ وَالْمَعْنَى هُوَ هُوَ، أَوْ مَجَازٌ فِي التَّحْضِيضِ أَيْ هَلْ كَانَ وُجُودُ أَسْرَارِ دِينِهِمْ فِي الْقُرْآنِ مُوجِبًا لِعِلْمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَالْمُرَادُ لَازِمُ ذَلِكَ أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ عَنِ اللَّهِ أَيْ هَلَّا كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صدق الرَّسُول عوض عَنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِتُهْمَةِ قَوْمِهِمُ الَّذِينَ تَحَقَّقُوا صِدْقَهُمْ فِي الْيَهُودِيَّةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الظَّاهِرُ لِي وَيُرَجِّحُهُ التَّعْبِيرُ بِيَعْلَمُونَ بِالْمُضَارِعِ دُونَ عَلِمُوا.
وَمُوقِعُ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ: أَفَلا تَعْقِلُونَ وَقَوْلُهُ: أَوَلا يَعْلَمُونَ سَيَأْتِي عَلَى نَظَائِرِهِ وَخِلَافُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ [الْبَقَرَة: ٨٧] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute