فَأَمَّا صَبْرُ إِسْمَاعِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقَدْ تَقَرَّرَ بِصَبْرِهِ عَلَى الرِّضَى بِالذَّبْحِ حِينَ قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَقَالَ: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات: ١٠٢] ، وَتَقَرَّرَ بِسُكْنَاهُ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ امْتِثَالًا لِأَمْرِ أَبِيهِ الْمُتَلَقِّي مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَقَدَّمَتْ تَرْجَمَةُ إِسْمَاعِيلَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَأَمَّا إِدْرِيسُ فَهُوَ اسْمُ (أُخْنُوخَ) عَلَى أَرْجَحِ الْأَقْوَالِ. وَقَدْ ذُكِرَ أُخْنُوخُ فِي التَّوْرَاةِ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ جَدًّا لِنُوحٍ. وَتَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ وَوُصِفَ هُنَالِكَ بِأَنَّهُ صِدِّيقٌ نَبِيءٌ وَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُنَا فليعدّ فِي صَفِّ الصَّابِرِينَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَبْرَهُ كَانَ عَلَى تَتَبُّعِ الْحِكْمَةِ وَالْعُلُومِ وَمَا لَقِيَ فِي رَحَلَاتِهِ مِنَ الْمَتَاعِبِ. وَقَدْ عُدَّتْ مِنْ صَبْرِهِ قِصَصٌ، مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ الطَّعَامَ وَالنَّوْمَ مُدَّةً طَوِيلَةً لِتَصْفُوَ نَفْسُهُ لِلِاهْتِدَاءِ إِلَى الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ.
وَأَمَّا ذُو الْكِفْلِ فَهُوَ نَبِيءٌ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِهِ، فَقِيلَ هُوَ إِلْيَاسُ الْمُسَمَّى فِي كُتُبِ الْيَهُودِ (إِيلِيَا) .
وَقِيلَ: هُوَ خَلِيفَةُ اليسع فِي نبوءة بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ (عُوبَدْيَا) الَّذِي لَهُ كِتَابٌ
مِنْ كُتُبِ أَنْبِيَاءِ الْيَهُودِ وَهُوَ الْكِتَابُ الرَّابِعُ مِنَ الْكُتُبِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتُعْرَفُ بِكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ الصِّغَارِ.
وَالْكِفْلُ- بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ-، أَصْلُهُ: النَّصِيبُ مِنْ شَيْءٍ، مُشْتَقٌّ مِنْ كَفَلَ إِذَا تَعَهَّدَ. لُقِّبَ بِهَذَا لِأَنَّهُ تَعَهَّدَ بِأَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِلْيَسَعَ. وَذَلِكَ أَنَّ الْيَسَعَ لَمَّا كَبِرَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ خَلِيفَةً عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: مَنْ يَتَكَفَّلْ لِي بِثَلَاثٍ أَسْتَخْلِفْهُ: أَنْ يَصُومَ النَّهَارَ، وَيَقُومَ اللَّيْلَ، وَلَا يَغْضَبَ. فَلَمْ يَتَكَفَّلْ لَهُ بِذَلِكَ إِلَّا شَابٌّ اسْمُهُ (عُوبَدْيَا) ، وَأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَى مَا تَكَفَّلَ بِهِ فَكَانَ لِذَلِكَ مِنْ أَفْضَلِ الصَّابِرِينَ. وَقَدْ عُدَّ عُوبَدْيَا مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى إِجْمَالٍ فِي خَبَرِهِ (انْظُرْ سِفْرَ الْمُلُوكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute