وَفُسِّرَ اقْتِرَابُ الْوَعْدِ بِاقْتِرَابِ الْقِيَامَةِ، وَسُمِّيَتْ وَعْدًا لِأَنَّ الْبَعْثَ سَمَّاهُ اللَّهُ وَعْدًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ [الْأَنْبِيَاء: ١٠٤] .
وَعَلَى هَذَا أَيْضًا جَعَلُوا ضَمِيرَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ عَائِد إِلَى «يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ» فَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ وَصَفَتِ انْتِشَارَ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ وَصْفًا بَدِيعًا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ بِخَمْسَةِ قُرُونٍ فَعَدَدْنَا هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْغَيْبِيَّةِ. وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ هَذَا الْحَادِثِ بِالتَّوْقِيتِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ عَلَامَاتِ قُرْبِ السَّاعَةِ قُصِدَ مِنْهُ مَعَ التَّوْقِيتِ إِدْمَاجُ الْإِنْذَارِ لِلْعَرَبِ الْمُخَاطَبِينَ لِيَكُونَ ذَلِكَ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ تَحْذِيرًا لِذُرِّيَّاتِهِمْ مِنْ كَوَارِثِ ظُهُورِ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ فَقَدْ كَانَ زَوَالُ مُلْكِ الْعَرَبِ الْعَتِيدِ وَتَدَهْوُرُ حَضَارَتِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ عَلَى أَيْدِي يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ وَهُمُ الْمَغُولُ وَالتَّتَارُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْإِنْذَارُ النَّبَوِيُّ فِي سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْوَحْيِ. فَقَدْ
رَوَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ هَكَذَا»
وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا.
وَالِاقْتِرَابُ عَلَى هَذَا اقْتِرَابٌ نِسْبِيٌّ عَلَى نِسْبَةِ مَا بَقِيَ مِنْ أَجْلِ الدُّنْيَا بِمَا مَضَى مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [الْقَمَرُ: ١] .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِفَتْحِ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ تَمْثِيلَ إِخْرَاجِ الْأَمْوَاتِ إِلَى الْحَشْرِ، فَالْفَتْحُ مَعْنَى الشَّقِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ [ق: ٤٤] ، وَيَكُونُ اسْمُ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ تَشْبِيهًا بَلِيغًا. وَتَخْصِيصُهُمَا بِالذِّكْرِ لِشُهْرَةِ كَثْرَةِ
عَدَدِهِمَا عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ خَبَرِ ذِي الْقَرْنَيْنِ. وَيَدُلُّ لِهَذَا
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ لِآدَمَ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، فَيَقُولُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute