وَكَانَتْ أَصْنَامُهُمْ وَمَعْبُودَاتُهُمْ حَاضِرَةً فِي ذَلِكَ الْمَشْهَدِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْإِشَارَةُ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها.
وَالْحَصَبُ: اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَحْصُوبِ بِهِ، أَيِ الْمَرْمِيِّ بِهِ. وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْحَصْبَاءَ لِأَنَّهَا حِجَارَةٌ يُرْمَى بِهَا، أَيْ يُرْمَوْنَ فِي جَهَنَّمَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ [الْبَقَرَة: ٢٤] أَيِ الْكُفَّارُ وَأَصْنَامُهُمْ.
وَجُمْلَةُ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ: تَقْرِيبُ الْحَصَبِ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وارِدُونَ مِنَ الِاتِّصَافِ بِوُرُودِ النَّارِ فِي الْحَالِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْخَبَرِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ مَجَازٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ.
وَقَدْ زِيدَ فِي نِكَايَتِهِمْ بِإِظْهَارِ خَطَئِهِمْ فِي عِبَادَتِهِمْ تِلْكَ الْأَصْنَامَ بِأَنْ أُشْهِدُوا إِيرَادَهَا النَّارَ وَقِيلَ لَهُمْ: لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها.
وَذُيِّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ أَيْ هُمْ وَأَصْنَامُهُمْ.
وَالزَّفِيرُ: النَّفَسُ يَخْرُجُ مِنْ أَقْصَى الرِّئَتَيْنِ لِضَغْطِ الْهَوَاءِ مِنَ التَّأَثُّرِ بِالْغَمِّ. وَهُوَ هُنَا مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ دُونَ الْأَصْنَامِ. وَقَرِينَةُ مُعَادِ الضَّمَائِرِ وَاضِحَةٌ.
وَعَطْفُ جُمْلَةِ وَهُمْ فِيها لَا يَسْمَعُونَ اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ لِأَنَّ شَأْنَ الزَّفِيرِ أَنْ يُسْمَعَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ يَفْقِدُونَ السَّمْعَ بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ.
فَالْآيَةُ وَاضِحَةُ السِّيَاقِ فِي الْمَقْصُودِ مِنْهَا غَنِيَّةٌ عَنِ التَّلْفِيقِ.
وَقَدْ
رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ فِي «سِيرَتِهِ» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ يَوْمًا مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَجَاءَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَجَلَسَ مَعَهُمْ فِي مَجْلِسٍ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ، فَتَلَا رَسُولُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute