للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِأَيْدِيهِمْ إِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ. وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مُتَرَاخِيًا عَنْ كِتَابَتِهِمْ مَا كَتَبُوهُ فِي الزَّمَانِ بَلْ هُمَا مُتَقَارِنَانِ.

وَالْوَيْلُ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى الشَّرِّ أَوِ الْهَلَاكِ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ فِعْلٌ مِنْ لَفْظِهِ فَلِذَلِكَ قِيلَ هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: هُوَ مَصْدَرٌ امْتَنَعَ الْعَرَبُ مِنَ اسْتِعْمَالِ فِعْلِهِ لِأَنَّهُ لَو صرّف لوُجُوب اعْتِلَالُ فَائِهِ وَعَيْنِهِ بِأَنْ يَجْتَمِعَ فِيهِ إِعْلَالَانِ أَيْ فَيكون ثقيلا، والويلة: الْبَلِيَّةُ. وَهِيَ مُؤَنَّثُ الْوَيْلِ قَالَ تَعَالَى: يَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنا [الْكَهْف: ٤٩] وَقَالَ امْرِئ الْقَيْسِ:

فَقَالَتْ لَكَ الْوَيْلَاتُ إِنَّكَ مُرْجِلِي وَيُسْتَعْمَلُ الْوَيْلُ بِدُونِ حَرْفِ نِدَاءٍ كَمَا فِي الْآيَةِ وَيُسْتَعْمَلُ بِحَرْفِ النِّدَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ [الْأَنْبِيَاء: ١٤] كَمَا يُقَالُ يَا حَسْرَتَا.

فَأَمَّا مَوْقِعُهُ مِنَ الْإِعْرَابِ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُضَفْ أُعْرِبَ إِعْرَابَ الْأَسْمَاءِ الْمُبْتَدَأِ بِهَا وَأُخْبِرَ عَنْهُ بِلَامِ الْجَرِّ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقَوْلُهُ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين: ١] قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:

وَيُنْصَبُ فَيُقَالُ: وَيْلًا لِزَيْدٍ وَجَعَلَ سِيبَوَيْهِ ذَلِكَ قَبِيحًا وَأَوْجَبَ إِذَا ابْتُدِئَ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا، وَأَمَّا إِذَا أُضِيفَ فَإِنَّهُ يُضَافُ إِلَى الضَّمِيرِ غَالِبًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ [الْقَصَص: ٨٠] وَقَوْلِهِ: وَيْلَكَ آمِنْ [الْأَحْقَاف: ١٧] فَيَكُونُ مَنْصُوبًا وَقَدْ يُضَافُ إِلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ فَيُعْرَبُ إِعْرَابَ غَيْرِ الْمُضَافِ

كَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَصِيرٍ: «وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ» .

وَلَمَّا أَشْبَهَ فِي إِعْرَابِهِ الْمَصَادِرَ الْآتِيَةَ بَدَلًا مِنْ أَفْعَالِهَا نَصْبًا وَرَفْعًا مِثْلَ: حَمْدًا لِلَّهِ وَصَبْرٌ جَمِيلٌ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الْفَاتِحَة: ٢] قَالَ أَكْثَرُ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ: إِنَّهُ مَصْدَرٌ أُمِيتَ فِعْلُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ اسْمٌ وَجَعَلَ نَصْبَهُ فِي حَالَةِ الْإِضَافَةِ نَصْبًا عَلَى النِّدَاءِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَأَصْلُ وَيْلَهُ يَا وَيْلَهُ بِدَلِيلِ ظُهُورِ حَرْفِ النِّدَاءِ مَعَهُ فِي كَلَامِهِمْ. وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ كَالْمَنْدُوبِ فَقَالُوا: وَيْلَاهُ وَقَدْ أَعْرَبَهُ الزَّجَّاجُ كَذَلِكَ فِي سُورَةِ طه.

وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِذَا نُصِبَ فَعَلَى تَقْدِيرِ فِعْلٍ، قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً [طه: ٦١] فِي طه يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَلْزَمَكُمُ اللَّهُ وَيْلًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ إِنَّ وَيْلٌ كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ وَيْ بِمَعْنَى الْحُزْنِ وَمِنْ مَجْرُورٍ بِاللَّامِ الْمَكْسُورَةِ فَلَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُ اللَّامِ مَعَ وَيْ صَيَّرُوهُمَا حَرْفًا وَاحِدًا فَاخْتَارُوا فَتْحَ اللَّامِ كَمَا قَالُوا يَالَ ضَبَّةَ فَفَتَحُوا اللَّامَ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَكْسُورَةٌ. وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ دُعَاءً وَتَعَجُّبًا وَزَجْرًا مِثْلَ قَوْلِهِمْ: لَا أَبَ لَكَ، وَثَكِلَتْكَ أُمُّكَ. وَمَعْنَى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ