للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَجِيءَ مِثْلُ هَذَا الْوَعْدِ فِي الْقُرْآنِ فِي [سُورَةِ النُّورِ: ٥٥] فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.

وَعَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ أَنَّ هَذَا الْوَعْدَ تكَرر فِي الْكتب لِفِرَقٍ مِنَ الْعِبَادِ الصَّالِحِينَ.

وَمَعْنَى مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ ذَلِكَ الْوَعْدَ وَرَدَ فِي الزَّبُورِ عَقِبَ تَذْكِيرٍ وَوَعْظٍ لِلْأُمَّةِ.

فَبَعْدَ أَنْ أُلْقِيَتْ إِلَيْهِمُ الْأَوَامِرُ وُعِدُوا بِمِيرَاثِ الْأَرْضِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِ الذِّكْرِ كِتَابُ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ التَّوْرَاةُ.

قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ [الْأَنْبِيَاء: ٤٨] فَيَكُونُ الظَّرْفُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ مُسْتَقِرًّا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الزَّبُورِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْحَالِ الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّ الْوَعْدَ الْمُتَحَدَّثَ عَنْهُ هُنَا هُوَ غَيْرُ مَا وَعَدَ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ مُوسَى مِنْ إِعْطَائِهِمُ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ. وَهُوَ الْوَعْدُ الَّذِي ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [الْمَائِدَة:

٢١] ، وَأَنَّهُ غَيْرُ الْإِرْثِ الَّذِي أَوْرَثَهُ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ كَانَ قبل دَاوُود. فَإِن ملك دَاوُود أَحَدُ مَظَاهِرِهِ. بَلِ الْمُرَادُ الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّهُ وَعْدٌ وَعَدَهُ اللَّهُ قَوْمًا صَالِحِينَ بَعْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَيْسُوا إِلَّا الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ صَدَقَهُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ فَمَلَكُوا الْأَرْضَ

بِبَرَكَةِ رَسُولِهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَاتَّسَعَ مُلْكُهُمْ وَعَظُمَ سُلْطَانُهُمْ حَسْبَ مَا أَنْبَأَ بِهِ نَبِيئُهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا.

وَجُمْلَةُ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ تَذْيِيلٌ لِلْوَعْدِ وَإِعْلَانٌ بِأَنْ قَدْ آنَ أَوَانُهُ وَجَاء إبانه. وفإن لَمْ يَأْتِ بعد دَاوُود قَوْمٌ مُؤْمِنُونَ ورثوا الأَرْض، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَآمَنَ النَّاسُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ بَلَّغَ الْبَلَاغَ إِلَيْهِمْ.