اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ [الْأَنْبِيَاء: ١- ٣] .
وَأَفَادَتْ (إِنَّمَا) الْمَكْسُورَةُ الْهَمْزَةِ وَإِتْلَاؤُهَا بِفِعْلِ يُوحى قَصْرَ الْوَحْيِ إِلَى الرَّسُولِ عَلَى مَضْمُونِ جُمْلَةِ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ. وَهُوَ قَصْرُ صِفَةٍ عَلَى مَوْصُوفٍ. وَ (أَنَّمَا) الْمَفْتُوحَةُ الْهَمْزَةِ هِيَ أُخْتُ «إِنَّمَا» الْمَكْسُورَةِ الْهَمْزَةِ فِي إِفَادَةِ الْقَصْرِ لِأَنَّ (أَنَّمَا) الْمَفْتُوحَةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ (أَنَّ) الْمَفْتُوحَةِ الْهَمْزَةِ وَ (مَا) الْكَافَّةِ. كَمَا رُكِّبَتْ (إِنَّمَا) الْمَكْسُورَةُ مِنْ (إِنَّ) الْمَكْسُورَةِ الْهَمْزَةِ وَ (مَا) الْكَافَّةِ. وَإِذْ كَانَتْ (أَنَّ) الْمَفْتُوحَةَ أُخْتُ (إِنَّ) الْمَكْسُورَةِ فِي إِفَادَةِ التَّأْكِيدِ فَكَذَلِكَ كَانَتْ عِنْدَ اتِّصَالِهَا بِ (مَا) الْكَافَّةِ أُخْتًا لَهَا فِي إِفَادَةِ الْقَصْرِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٩٢] .
وَإِذْ قَدْ أَتُلِيَتْ (أَنَّمَا) الْمَفْتُوحَةُ بِالِاسْمِ الْجَامِعِ لِحَقِيقَةِ الْإِلَهِ، وَأُخْبِرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَقَدْ أَفَادَتْ أَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ مُسْتَأْثِرٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ فَلَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَقِيقَةِ تَعَدُّدُ أَفْرَادٍ فَأَفَادَتْ قَصْرًا ثَانِيًا، وَهُوَ قَصْرُ مَوْصُوفٍ عَلَى صِفَةٍ.
وَالْقَصْرُ الْأَوَّلُ إِضَافِيٌّ، أَيْ مَا يُوحَى إِلَيَّ فِي شَأْنِ الْإِلَهِ إِلَّا أَنَّ الْإِلَهَ إِلَهٌ وَاحِدٌ.
وَالْقَصْرُ الثَّانِي أَيْضًا إِضَافِيٌّ، أَيْ فِي شَأْنِ الْإِلَهِ مِنْ حَيْثُ الْوَحْدَانِيَّةُ. وَلَمَّا كَانَ الْقَصْرُ
الْإِضَافِيُّ مِنْ شَأْنِهِ رَدُّ اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِ بِجُمْلَةِ الْقَصْرِ لَزِمَ اعْتِبَارُ رَدِّ اعْتِقَادِ الْمُشْرِكِينَ بِالْقَصْرَيْنِ.
فَالْقَصْرُ الْأَوَّلُ لِإِبْطَالِ مَا يُلَبِّسُونَ بِهِ عَلَى النَّاسِ مِنْ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ ثُمَّ يذكر الله والرحمان، وَيُلِّبِسُونَ تَارَةً بِأَنَّهُ سَاحِرٌ لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى مَا لَا يُعْقَلُ، قَالَ تَعَالَى:
وَقالَ الْكافِرُونَ هَذَا ساحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ [ص:
٤- ٥] فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [الْأَحْقَاف: ٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute