للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَوْمَئِذٍ يَسْتَطِيعُونَ إِنْقَاذَ التَّوْرَاةِ وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ حَفَظَتِهَا لِأَنَّ شَرِيعَتَهُمْ جَعَلَتِ التَّوْرَاةَ أَمَانَةً بِأَيْدِي اللَّاوِيِّينَ كَمَا تَضَمَّنَهُ سِفْرُ التَّثْنِيَةِ وَأَمَرَ مُوسَى الْقَوْمَ بِنَشْرِ التَّوْرَاةِ لَهُمْ بَعْدَ كُلِّ سَبْعِ سِنِينَ تَمْضِي وَقَالَ مُوسَى ضَعُوا هَذَا الْكِتَابَ عِنْدَ تَابُوتِ الْعَهْدِ

لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِدًا عَلَيْكُمْ لِأَنِّي أَعْرِفُ تَمَرُّدَكُمْ وَقَدْ صِرْتُمْ تُقَاوِمُونَ رَبَّكُمْ وَأَنَا حَيٌّ فَأَحْرَى أَنْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِي وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْيَهُودَ قَدْ نَبَذُوا الدِّيَانَةَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَعَبَدُوا الْأَصْنَامَ فِي عَهْدِ رَحْبَعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ مَلِكِ يَهُوذَا وَفِي عَهْدِ يُورْبَعَامَ غُلَامِ سُلَيْمَانَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ قَبْلَ تَخْرِيبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِتَنَاسِي الدِّينِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ التَّخْرِيبُ الْمَشْهُورُ ثُمَّ أَعْقَبَهُ التَّخْرِيبُ الرُّومَانِيُّ فِي زَمَنِ طِيطَسَ سَنَةَ ٤٠ لِلْمَسِيحِ ثُمَّ فِي زَمَنِ أَدْرِيَانَ الَّذِي تَمَّ عَلَى يَدِهِ تَخْرِيبُ بَلَدِ أُورْشَلِيمَ بِحَيْثُ صَيَّرَهَا مَزْرَعَةً وَتَفَرَّقَ مَنْ أَبْقَاهُ السَّيْفُ مِنَ الْيَهُودِ فِي جِهَاتِ الْعَالَمِ. وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْبَاحِثِينَ عَنْ تَارِيخِ الدِّينِ عَلَى أَنَّ التَّوْرَاةَ قَدْ دَخَلَهَا التَّحْرِيفُ وَالزِّيَادَةُ وَالتَّلَاشِي وَأَنَّهُمْ لَمَّا جَمَعُوا أَمْرَهُمْ عَقِبَ بَعْضِ مَصَائِبِهِمُ الْكُبْرَى افْتَقَدُوا التَّوْرَاةَ فَأَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوهَا مِنْ مُتَفَرِّقِ أَوْرَاقِهِمْ وَبَقَايَا مَكَاتِبِهِمْ. وَقَدْ قَالَ: (لِنْجَرْكُ) أَحَدُ اللَّاهُوتِيِّينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِفْرَنْجِ أَنَّ سِفْرَ التَّثْنِيَةِ كَتَبَهُ يَهُودِيٌّ كَانَ مُقِيمًا بِمِصْرَ فِي عَهْدِ الْمَلِكِ يُوشِيَا مَلِكِ الْيَهُودِ وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّ الْكُتُبَ الْخَمْسَةَ الَّتِي هِيَ مَجْمُوعُ التَّوْرَاةِ قَدْ دَخَلَ فِيهَا تَحْرِيفٌ كَثِيرٌ مِنْ عِلْمِ صَمُوئِيلَ أَوْ عُزَيْرٍ (عِزْرَا) . وَيَذْكُرُ عُلَمَاؤُنَا أَنَّ الْيَهُودَ إِنَّمَا قَالُوا عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ ظَفِرَ بِالتَّوْرَاةِ. وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّوْرَاةَ قَدْ تَلَاشَتْ وَتَمَزَّقَتْ وَالْمَوْجُودُ فِي سِفْرِ الْمُلُوكِ الثَّانِي مِنْ كُتُبِهِمْ فِي الْإِصْحَاحِ الْحَادِيَ وَالْعِشْرِينَ أَنَّهُمْ بَيْنَمَا كَانُوا بِصَدَدِ تَرْمِيمِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي زَمَنِ يُوشِيَا مَلِكِ يَهُوذَا ادَّعَى حَلْقِيَا الْكَاهِنُ أَنَّهُ وَجَدَ سِفْرَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَسَلَّمَهُ الْكَاهِنُ لِكَاتِبِ الْمَلِكِ فَلَمَّا قَرَأَهُ الْكَاتِبُ عَلَى الْمَلِكِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَتَابَ مِنَ ارْتِدَادِهِ عَنِ الشَّرِيعَةِ وَأَمَرَ الْكَهَنَةَ بِإِقَامَةِ كَلَامِ الشَّرِيعَةِ الْمَكْتُوبِ فِي السِّفْرِ الَّذِي وَجَدَهُ حَلْقِيَا الْكَاهِنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ اهـ. فَهَذَا دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّوْرَاةَ كَانَتْ مَجْهُولَةً عِنْدَهُمْ مُنْذُ زمَان.