وَلِذَلِكَ فَأَنَا أَحْسُبُ هَذِهِ السُّورَةَ نَازِلًا بَعْضُهَا آخِرَ مُدَّةِ مُقَامِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ كَمَا يَقْتَضِيهِ افْتِتَاحُهَا بِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ ذَلِكَ الْغَالِبَ فِي أَسَالِيبِ الْقُرْآنِ الْمَكِّيِّ، وَأَنَّ بَقِيَّتَهَا نَزَلَتْ فِي مُدَّةِ مُقَامِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
[الْحَج: ١- ٢] ، قَالَ:
أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ وَهُوَ فِي سَفَرٍ؟ فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ ... »
وَسَاقَ حَدِيثًا طَوِيلًا. فَاقْتَضَى قَوْلُهُ:
أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي سَفَرٍ؟ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَإِنَّ أَسْفَارَهُ كَانَتْ فِي الْغَزَوَاتِ وَنَحْوِهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ السّفر فِي غروة بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ وَتِلْكَ الْغَزْوَةُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ، فَالظَّاهِرُ مِنْ
قَوْلِهِ «أُنْزِلَتْ وَهُوَ فِي سَفَرٍ»
أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ لَمْ يَسْمَعِ الْآيَةَ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَظَنَّهَا أُنْزِلَتْ يَوْمَئِذٍ فَإِنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ مَا أَسْلَمَ إِلَّا عَامَ خَيْبَرَ وَهُوَ عَامُ سَبْعَةٍ، أَوْ أَنَّ أَحَدَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ أَدْرَجَ كَلِمَةَ «أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي سَفَرٍ» فِي كَلَامِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَلَمْ يَقُلْهُ عِمْرَانُ. وَلِذَلِكَ لَا يُوجَدُ هَذَا اللَّفْظُ فِيمَا
رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بن بَشَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيءِ فِي سَفَرٍ فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
[الْحَج: ١- ٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute