للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالزَّلْزَلَةُ حَقِيقَتُهَا: تَحَرُّكٌ عَنِيفٌ فِي جِهَةٍ مِنْ سَطْحِ الْأَرْضِ مِنْ أَثَرِ ضَغْطِ مَجَارِي الْهَوَاءِ الْكَائِنِ فِي طَبَقَاتِ الْأَرْضِ الْقَرِيبَةِ مِنْ ظَاهِرِ الْأَرْضِ. وَهِيَ مِنَ الظَّوَاهِرِ الْأَرْضِيَّةِ الْمُرْعِبَةِ يَنْشَأُ عَنْهَا تَسَاقُطُ الْبِنَاءِ وَقَدْ يَنْشَأُ عَنْهَا خَسْفُ الْأَشْيَاءِ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ.

وَالسَّاعَةُ: عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ عَلَى وَقْتِ فَنَاءِ الدُّنْيَا وَالْخُلُوصِ إِلَى عَالَمِ الْحَشْرِ الْأُخْرَوِيِّ، قَالَ تَعَالَى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها إِلَى قَوْلِهِ: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ [الزلزلة: ١- ٦] .

وَإِضَافَةُ زَلْزَلَةَ إِلَى السَّاعَةِ عَلَى مَعْنَى (فِي) ، أَيِ الزَّلْزَلَةُ الَّتِي تَحْدُثُ وَقْتَ حُلُولِ السَّاعَةِ.

فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الزَّلْزَلَةُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي وَقْتِ الْحَشْرِ. وَالظَّاهِرُ حَمْلُ الزَّلْزَلَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ عِنْدَ إِشْرَافِ الْعَالَمِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الْفَنَاءِ وَفَسَادِ نِظَامِهِ فَإِضَافَتُهَا إِلَى

السَّاعَةِ إِضَافَةٌ حَقِيقِيَّة فَيكون فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها [الزلزلة: ١] الْآيَةَ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الزَّلْزَلَةُ مَجَازًا عَنِ الْأَهْوَالِ وَالْمُفْزِعَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ تُسْتَعَارُ لَهُ الزَّلْزَلَةُ، قَالَ تَعَالَى: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ [الْبَقَرَة: ٢١٤] أَيْ أُصِيبُوا بِالْكَوَارِثِ وَالْأَضْرَارِ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ: مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ [الْبَقَرَة: ٢١٤] .

وَفِي دُعَاءِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَحْزَابِ: «اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ»

. وَالْإِتْيَانُ بِلَفْظِ شَيْءٌ لِلتَّهْوِيلِ بِتَوَغُّلِهِ فِي التَّنْكِيرِ، أَيْ زَلْزَلَةُ السَّاعَةِ لَا يعرّف كنهها إلّا بِأَنَّهَا شَيْءٌ عَظِيمٌ، وَهَذَا مِنَ الْمَوَاقِعِ الَّتِي يَحْسُنُ فِيهَا مَوْقِعُ كَلِمَةٍ شَيْءٌ وَهِيَ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ