فَإِذَا نَزَلَ فِيهِ مَاءُ الرَّجُلِ وَهُوَ النُّطْفَةُ بَعْدَ انْتِهَاءِ سِيلَانِ دَمِ الْحَيْضِ لُقِّحَتْ فِيهِ الْبَيْضَةُ وَاخْتَلَطَتْ أَجْزَاؤُهَا بِأَجْزَاءِ النُّطْفَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى جُرْثُومَاتٍ ذَاتِ حَيَاةٍ وَتَمْكُثُ مَعَ الْبَيْضَةِ مُتَحَرِّكَةً مِقْدَارَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ تَكُونُ الْبَيْضَةُ فِي أَثْنَائِهَا تتطور بالشكل بِشِبْهِ تَقْسِيمٍ مِنْ أَثَرِ ضَغْطٍ طَبِيعِيٍّ. وَفِي نِهَايَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ تَصِلُ الْبَيْضَةُ إِلَى الرَّحِمِ وَهُنَالِكَ تَأْخُذُ فِي التَّشَكُّلِ، وَبَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَصِيرُ الْبَيْضَةُ عَلَقَةً فِي حَجْمِ نَمْلَةٍ كَبِيرَةٍ طُولُهَا من ١٢ إِلَى ١٤ مليمتر، ثُمَّ يَزْدَادُ تَشَكُّلُهَا فَتَصِيرُ قِطْعَةً صَغِيرَةً مِنْ لَحْمٍ هِيَ الْمُسَمَّاةُ (مُضْغَةً) طُولُهَا ثَلَاثَةُ سَنْتِيمِتْرَ تلوح فِيهَا تشكلات الْوَجْهِ وَالْأَنْفِ خَفِيَّةً جِدًّا كَالْخُطُوطِ، ثُمَّ يَزْدَادُ التَّشَكُّلُ يَوْمًا فَيَوْمًا إِلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ الْجَنِينُ مُدَّتَهُ فَيَنْدَفِعَ لِلْخُرُوجِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ صِفَةُ مُضْغَةٍ. وَذَلِكَ تَطَوُّرٌ مِنْ تطورات المضغة. أَشَارَ إِلَى أَطْوَارِ تَشَكُّلِ تِلْكَ الْمُضْغَةِ فَإِنَّهَا فِي أَوَّلِ أَمْرِهَا تَكُونُ غَيْرَ مُخَلَّقَةٍ، أَيْ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِيهَا شَكْلُ الْخِلْقَةِ، ثُمَّ تَكُونُ مُخَلَّقَةً، وَالْمُرَادُ تَشْكِيلُ الْوَجْهِ ثُمَّ الْأَطْرَافِ، وَلِذَلِكَ
لَمْ يُذْكَرْ مِثْلُ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ عِنْدَ ذِكْرِ النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ، إِذْ لَيْسَ لَهُمَا مِثْلُ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ بِخِلَافِ الْمُضْغَةِ. وَإِذْ قَدْ جُعِلَتِ الْمُضْغَةُ مِنْ مَبَادِئِ الْخَلْقِ تَعَيَّنَ أَنَّ كلا الوصفين لَا زمَان لِلْمُضْغَةِ، فَلَا يَسْتَقِيمُ تَفْسِيرُ مَنْ فَسَّرَ غَيْرَ الْمُخَلَّقَةِ بِأَنَّهَا الَّتِي لَمْ يُكْمِلْ خَلْقُهَا فَسَقَطَتْ.
وَالتَّخْلِيقُ: صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَكْرِيرِ الْفِعْلِ، أَيْ خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ، أَيْ شَكْلًا بَعْدَ شَكْلٍ.
وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْمُخَلَّقَةِ عَلَى ذِكْرِ غير المخلقة على خِلَافَ التَّرْتِيبِ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ الْمُخَلَّقَةَ أَدْخَلُ فِي الِاسْتِدْلَالِ، وَذَكَرَ بَعْدَهُ غَيْرَ الْمُخَلَّقَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute