وَقَوْلُهُ لِيُضِلَّ- بِضَمِّ الْيَاءِ- أَيْ لِيُضَلِّلَ النَّاسَ بِجِدَالِهِ. فَهَذَا الْمُجَادِلُ يُرِيدُ بِجَدَلِهِ أَنْ يُوهِمَ الْعَامَّةَ بُطْلَانَ الْإِسْلَامِ كَيْلَا يَتَّبِعُوهُ.
وَإِفْرَادُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ عِطْفِهِ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ مُرَاعَاةٌ لِلَفْظِ (مَنْ) وَإِنْ كَانَ مَعْنَى تِلْكَ الضَّمَائِرِ الْجَمْعَ.
وَخِزْيُ الدُّنْيَا: الْإِهَانَةُ، وَهُوَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ يَوْمَ بَدْرٍ وَمِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا بَعْدُ. وَيَنْطَبِقُ الْخِزْيُ عَلَى مَا حَصَلَ لِأَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قَتْلِهِ بِيَدِ غُلَامَيْنِ مِنْ شَبَابِ الْأَنْصَار وهما ابْنا عَفْرَاءَ. وَبِاعْتِلَاءِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَلَى صَدْرِهِ وَذَبْحِهِ وَكَانَ فِي عَظَمَتِهِ لَا يَخْطُرُ أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ بِخَاطِرِهِ.
وَيَنْطَبِقُ الْخِزْيُ أَيْضًا عَلَى مَا حَلَّ بِالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ مِنَ الْأَسْرِ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَتْلِهِ صَبْرًا فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: الْأُثَيْلُ قُرْبَ الْمَدِينَة عقب وقْعَة بَدْرٍ كَمَا وَصَفَتْهُ أُخْتُهُ قُتَيْلَةُ فِي رِثَائِهِ مِنْ قَصِيدَةِ:
صَبْرًا يُقَادُ إِلَى الْمَنِيَّةِ مُتْعَبَا ... صَبْرَ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوثَقُ
وَإِذْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَنَظِيرَتُهَا الَّتِي سَبَقَتْ مِمَّا نَزَلَ بِمَكَّةَ لَا مَحَالَةَ كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْغَيْبِ وَهُوَ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ.
وإذاقة الْعَذَاب تخييل لِلْمَكْنِيَّةِ.
وَجُمْلَةُ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ صِيغَةُ الْكَلَامِ وَهِيَ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ النَّصْبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَنُذِيقُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute