فَبَيَّنَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ مَا فِيهِ ضَرٌّ. فَمَوْضِعُ الِارْتِقَاءِ هُوَ مَضْمُونُ جُمْلَةِ مَا لَا يَضُرُّهُ [الْحَج: ١٢] كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا لَا يَضُرُّهُ بَلْ مَا يَنْجَرُّ لَهُ مِنْهُ ضَرٌّ. وَذَلِكَ أَنَّ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ تَضُرُّهُ فِي الدُّنْيَا بِالتَّوَجُّهِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهَا فَيَضِيعُ زَمَنُهُ فِي تَطَلُّبِ مَا لَا يَحْصُلُ وَتَضُرُّهُ فِي الْآخِرَةِ بِالْإِلْقَاءِ فِي النَّارِ.
وَلَمَّا كَانَ الضُّرُّ الْحَاصِلُ مِنَ الْأَصْنَامِ لَيْسَ ضُرًّا نَاشِئًا عَنْ فِعْلِهَا بَلْ هُوَ ضُرٌّ مَلَابِسٌ لَهَا أَثْبَتَ الضَّرَّ بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ لِلضَّمِيرِ دُونَ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ إِذْ قَالَ تَعَالَى: لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ وَلَمْ يَقُلْ: لَمَنْ يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ أَوْسَعُ مِنَ الْإِسْنَادِ فَلَمْ يَحْصُلْ تَنَافٍ بَيْنَ قَوْلِهِ مَا لَا يَضُرُّهُ [الْحَج: ١٢] وَقَوْلِهِ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ.
وَكَوْنُهُ أَقْرَبَ مِنَ النَّفْعِ كِنَايَةٌ عَنْ تَمَحُّضِهِ لِلضَّرِّ وَانْتِفَاءِ النَّفْعِ مِنْهُ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْأَقْرَبَ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبَعِيدِ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْصُلَ مَعَهُ إِلَّا الضُّرُّ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لَمَنْ لَامُ الِابْتِدَاءِ، وَهِيَ تُفِيدُ تَأْكِيدَ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَهَا، فَلَامُ الِابْتِدَاءِ تُفِيدُ مُفَادَ (إِنَّ) مِنَ التَّأْكِيدِ.
وَقُدِّمَتْ مِنْ تَأْخِيرٍ إِذْ حَقُّهَا أَنْ تَدْخُلَ عَلَى صِلَةٍ (مِنَ الْمَوْصُولَةِ. وَالْأَصْلُ: يَدْعُو مَنْ لَضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) .
وَيَجُوزُ أَنْ تُعْتَبَرَ اللَّامُ دَاخِلَةً عَلَى (مَنِ) الْمَوْصُولَةِ وَيكون فعل يَدْعُوا مُعَلَّقًا عَنِ الْعَمَلِ لِدُخُولِ لَامِ الِابْتِدَاءِ بِنَاءً عَلَى الْحَقِّ مِنْ عَدَمِ اخْتِصَاصِ التَّعْلِيقِ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ.
وَجُمْلَةُ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ إِنْشَاءُ ذَمٍّ لِلْأَصْنَامِ الَّتِي يَدْعُونَهَا بِأَنَّهَا شَرُّ الْمَوَالِي وَشَرُّ الْعُشَرَاءِ لِأَنَّ شَأْنَ الْمَوْلَى جَلْبُ النَّفْعِ لِمَوْلَاهُ، وَشَأْنَ الْعَشِيرِ جَلْبُ الْخَيْرِ لِعَشِيرِهِ فَإِذَا تَخَلَّفَ ذَلِكَ مِنْهُمَا نَادِرًا كَانَ مَذَمَّةً وَغَضَاضَةً، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ مُطَّرِدًا فَذَلِكَ شَرّ الموَالِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute