للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَا يَفْعَلُهُ أَمْثَالُكُمْ مِمَّنْ مَلَأَهُمُ الْغَيْظُ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ سُبُلُ الِانْفِرَاجِ، فَامْدُدُوا حَبْلًا بِأَقْصَى مَا يُمَدُّ إِلَيْهِ حَبْلٌ، وَتَعَلَّقُوا بِهِ فِي أَعْلَى مَكَان ثمَّ قطعوه تَخِرُّوا إِلَى الْأَرْضِ، وَذَلِكَ تَهَكُّمٌ بِهِمْ

فِي أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ غِنًى فِي شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِمْ، وَإِنْذَارٌ بِاسْتِمْرَارِ فِتْنَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْخُسْرَانِ فِي الْآخِرَةِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مُشِيرَةً إِلَى فَرِيقٍ آخَرَ أَسْلَمُوا فِي مُدَّةِ ضَعْفِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَبْطَأُوا النَّصْرَ فَضَاقَتْ صُدُورُهُمْ فَخَطَرَتْ لَهُمْ خَوَاطِرُ شَيْطَانِيَّةٌ أَنْ يَتْرُكُوا الْإِسْلَامَ وَيَرْجِعُوا إِلَى الْكُفْرِ فَزَجَرَهُمُ اللَّهُ وَهَدَّدَهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا آيِسِينَ مِنَ النَّصْرِ فِي الدُّنْيَا وَمُرْتَابِينَ فِي نَيْلِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فَإِنَّ ارْتِدَادَهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ لَا يَضُرُّ اللَّهَ وَلَا رَسُولَهُ وَلَا يَكِيدُ الدِّينَ وَإِنْ شَاءُوا فَلْيَخْتَنِقُوا فَيَنْظُرُوا هَلْ يُزِيلُ الِاخْتِنَاقُ غَيْظَهُمْ، وَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ.

فَمَوْقِعُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَوْقِعُ الِاسْتِئْنَافِ الِابْتِدَائِيِّ لِذِكْرِ فَرِيقٍ آخَرَ يُشْبِهُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ، وَالْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةٌ.

وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَائِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ.

وَيَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ فِي كل الْوُجُوه تعريضا بِالتَّنْبِيهِ لِخُلَّصِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يَيْأَسُوا مِنْ نَصْرِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ فَقَطْ. قَالَ تَعَالَى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ [الْأَحْزَاب: ٢٣- ٢٤] الْآيَةَ.