للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ مِنْ أَساوِرَ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْهَدْ تَحْلِيَةُ الرِّجَالِ بِالْأَسَاوِرِ كَانَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ يُحَلَّوْنَ أَسَاوِرَ مُعَرِّضًا لِلتَّرَدُّدِ فِي إِرَادَةِ الْحَقِيقَةِ فَجِيءَ بِالْمُؤَكِّدِ لِإِفَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَلِذَلِكَ فَ أَساوِرَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِ يُحَلَّوْنَ.

وَلُؤْلُؤاً قَرَأَهُ ناقع، وَيَعْقُوبُ، وَعَاصِمٌ- بِالنَّصْبِ- عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ أَساوِرَ أَيْ يُحَلَّوْنَ لُؤْلُؤًا أَيْ عُقُودًا وَنَحْوَهَا. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ- بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى اللَّفْظِ- وَالْمَعْنَى: أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَأَسَاوِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ.

وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي الْمُصْحَفِ بِأَلِفٍ بَعْدِ الْوَاوِ الثَّانِيَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَكَانَتْ قِرَاءَة جر لُؤْلُؤ مُخَالِفَةً لِمَكْتُوبِ الْمُصْحَفِ. وَالْقِرَاءَةُ نَقْلٌ وَرِوَايَةٌ فَلَيْسَ اتِّبَاعُ الْخَطِّ وَاجِبًا عَلَى مَنْ يَرْوِي بِمَا يُخَالِفُهُ. وَكُتِبَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ فَاطِرٍ بِدُونِ ألف، وَالَّذين قرأوه بِالنَّصْبِ خَالَفُوا أَيْضًا خَطَّ الْمُصْحَفِ وَاعْتَمَدُوا رِوَايَتَهُمْ.

وَسَرَيَانُ مَعْنَى التَّأْكِيدِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ تَعَلَّقَ بِالْجُمْلَةِ كُلِّهَا لَا بِخُصُوصِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى إِعَادَةِ الْمُؤَكِّدِ مَعَ الْمَعْطُوفِ.

وَاللُّؤْلُؤُ: الدُّرُّ. وَيُقَالُ لَهُ الْجُمَانُ وَالْجَوْهَرُ. وَهُوَ حُبُوبٌ بَيْضَاءُ وَصَفْرَاءُ ذَاتُ بَرِيقٍ رَقْرَاقٍ تُسْتَخْرَجُ مِنْ أَجْوَافِ حَيَوَانٍ مَائِيٍّ حَلَزُونِيٍّ مُسْتَقِرٍّ فِي غِلَافٍ ذِي دَفَّتَيْنِ مُغْلَقَتَيْنِ عَلَيْهِ يَفْتَحُهُمَا بِحَرَكَةٍ حَيَوِيَّةٍ مِنْهُ لِامْتِصَاصِ الْمَاءِ الَّذِي يَسْبَحُ فِيهِ وَيُسَمَّى غِلَافُهُ صَدَفًا، فَتُوجَدُ فِي جَوْفِ الْحَيَوَانِ حَبَّةٌ ذَاتُ بَرِيقٍ وَهِيَ تَتَفَاوَتُ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَبِصَفَاءِ اللَّوْنِ وَبَيَاضِهِ. وَهَذَا الْحَيَوَانُ يُوجَدُ فِي عِدَّةِ بِحَارٍ: كَبَحْرِ الْعَجَمِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَحْرَيْنِ، وَبَحْرِ الْجَابُونِ، وَشَطِّ جَزِيرَةِ جَرْبَةَ مِنَ الْبِلَادِ التُّونِسِيَّةِ، وَأَجْوَدُهُ وَأَحْسَنُهُ الَّذِي يُوجَدُ مِنْهُ فِي الْبَحْرَيْنِ حَيْثُ مَصَبُّ نَهْرَيِ الدِّجْلَةِ وَالْفُرَاتِ، وَيَسْتَخْرِجُهُ غَوَّاصُونَ مُدَرَّبُونَ عَلَى الْتِقَاطِهِ