وَفِيهِ مَعَ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ لِمَا قَبْلَهُ تَخَلُّصٌ بَدِيعٌ إِلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ بَيَانِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَتَهْوِيلُ أَمْرِ الْإِلْحَادِ فِيهِ، وَالتَّنْوِيهُ بِهِ وَتَنْزِيهُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَأْوًى لِلشِّرْكِ وَرِجْسِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ.
وَجَاءَ يَصُدُّونَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَأَنَّهُ دَأْبُهُمْ سَوَاءٌ فِيهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ ظَاهَرُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ الصَّدِّ وَوَافَقُوهُمْ.
أَمَّا صِيغَةُ الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ صَارَ كَاللَّقَبِ لَهُمْ مِثْلَ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا [الْحَج: ٢٤] .
وَسَبِيلُ اللَّهِ: الْإِسْلَامُ، فَصَدُّهُمْ عَنْهُ هُوَ الَّذِي حَقَّقَ لَهُمْ عَذَابَ النَّارِ، كَمَا حَقَّقَ اهْتِدَاءُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ لَهُمْ نَعِيمَ الْجَنَّةِ.
وَالصَّدُّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِمَّا شَمِلَهُ الصَّدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَخُصَّ بِالذِّكْرِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، وَلِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إِلَى التَّنْوِيهِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَذِكْرِ بِنَائِهِ، وَشَرْعِ الْحَجِّ لَهُ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ.
وَالْمُرَادُ بِصَدِّهِمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صَدٌّ عَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ. وَلَعَلَّهُ صَدُّهُمُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ. وَالْمَعْرُوفُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ مَنَعُوا الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْ زِيَارَةِ الْبَيْتِ فَقَدْ قَالَ أَبُو جَهْلٍ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا وَقَالَ لِصَاحِبِهِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: انْتَظِرْ لِي سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ لَعَلِّي أَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَبَيْنَمَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذْ أَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَرَفَهُ. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَتَطَّوَّفُ بِالْكَعْبَةِ آمَنَّا وَقَدْ أُوتِيتُمُ الصُّبَاةَ؟ (يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ) . وَمِنْ ذَلِكَ مَا صَنَعُوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.
وَأَحْسَبُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ سَوَاءٌ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ أَمْ بِالْمَدِينَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute