بِهِ فِي وَادِي الضَّلَالَةِ بِالرِّيحِ الَّتِي تَهْوِي بِمَا عَصَفَتْ بِهِ فِي بَعْضِ المهاوي المتلفة» . أ. هـ.
يَعْنِي أَنَّ الْمُشْرِكَ لَمَّا عَدَلَ عَنِ الْإِيمَانِ الْفِطْرِيِّ وَكَانَ فِي مِكْنَتِهِ فَكَأَنَّهُ كَانَ فِي السَّمَاءِ فَسَقَطَ مِنْهَا، فَتَوَزَّعَتْهُ أَنْوَاعُ الْمَهَالِكِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ فِي مَطَاوِي هَذَا التَّمْثِيلِ تَشْبِيهَاتٍ كَثِيرَةً لَا يَعُوزُكَ اسْتِخْرَاجُهَا.
وَالسَّحِيقُ: الْبَعِيدُ فَلَا نَجَاةَ لِمَنْ حَلَّ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ تَخْيِيرٌ فِي نَتِيجَةِ التَّشْبِيهِ، كَقَوْلِهِ: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ [الْبَقَرَة: ١٩] . أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى أَنَّ الْكَافِرِينَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ شِرْكُهُ ذَبْذَبَةٌ وَشَكٌّ، فَهَذَا مُشَبَّهٌ بِمَنِ اخْتَطَفَتْهُ الطَّيْرُ فَلَا يَسْتَوْلِي طَائِرٌ عَلَى مِزْعَةٍ مِنْهُ إِلَّا انْتَهَبَهَا مِنْهُ آخَرُ، فَكَذَلِكَ الْمُذَبْذَبُ مَتَى لَاحَ لَهُ خَيَالٌ اتَّبَعَهُ وَتَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَقِسْمٌ مُصَمِّمٌ عَلَى الْكُفْرِ مُسْتَقِرٌّ فِيهِ، فَهُوَ مُشَبَّهٌ بِمَنْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي وَادٍ سَحِيقٍ، وَهُوَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ شِرْكُهُ لَا
يُرْجَى مِنْهُ خَلَاصٌ كَالَّذِي تَخَطَّفَتْهُ الطَّيْرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ شِرْكُهُ قَدْ يَخْلُصُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ إِلَّا أَنَّ تَوْبَتَهُ أَمْرٌ بَعِيدٌ عَسِيرُ الْحُصُولِ.
وَالْخُرُورُ: السُّقُوطُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ فِي [سُورَة النَّحْل: ٢٦] .
وفَتَخْطَفُهُ مُضَاعَفُ خَطِفَ لِلْمُبَالِغَةِ، الْخَطْفُ وَالْخَطَفُ: أَخْذُ شَيْءٍ بِسُرْعَةٍ سَوَاءً كَانَ فِي الْأَرْضِ أَمْ كَانَ فِي الْجَوِّ وَمِنْهُ تَخَطُّفُ الْكُرَةِ. وَالْهُوِيُّ: نُزُولُ شَيْءٍ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى الْأَرْضِ. وَالْبَاءُ فِي تَهْوِي بِهِ لِلتَّعْدِيَةِ مِثْلُهَا فِي: ذَهَبَ بِهِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ فَتَخْطَفُهُ- بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ مَفْتُوحَةً- مُضَارِعِ خَطَّفَ الْمُضَاعَفِ. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ- بِسُكُونِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ مُخَفَّفَةً- مُضَارِعِ خطف المجرّد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute