للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ فُرِّعَ عَلَى هَذَا الِانْفِرَادُ بِالْإِلَهِيَّةِ بِقَوْلِهِ: فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا أَيْ إِذْ كَانَ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ مَنْسَكًا وَاحِدًا فَقَدْ نَبَّهَكُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ كَانَتْ آلِهَةٌ كَثِيرَةٌ لَكَانَتْ شَرَائِعُهَا مُخْتَلِفَةً. وَهَذَا التَّفْرِيعُ الْأَوَّلُ تَمْهِيدٌ لِلتَّفْرِيعِ الَّذِي عَقِبَهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، فَوَقَعَ فِي النَّظْمِ تَغْيِيرٌ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ. وَأَصْلُ النَّظْمِ: فَلِلَّهِ أَسْلِمُوا، لِأَنَّ إِلَهَكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ. وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي فَلَهُ أَسْلِمُوا لِلْحَصْرِ، أَيْ أَسْلِمُوا لَهُ لَا لِغَيْرِهِ. وَالْإِسْلَامُ: الِانْقِيَادُ التَّامُّ، وَهُوَ الْإِخْلَاصُ فِي الطَّاعَةِ، أَيْ لَا تُخْلِصُوا إِلَّا الله، أَيْ فَاتْرُكُوا جَمِيعَ الْمَنَاسِكِ الَّتِي أُقِيمَتْ لِغَيْرِ اللَّهِ فَلَا تَنْسُكُوا إِلَّا فِي الْمَنْسَكِ الَّذِي جَعَلَهُ لَكُمْ، تَعْرِيضًا بِالرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مَنْسَكاً- بِفَتْحِ السِّينِ- وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ- بِكَسْرِ السِّينِ-، وَهُوَ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ اسْمُ مَكَانٍ لِلنُّسُكِ، وَهُوَ الذَّبْحُ. إِلَّا أَنَّهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ لِأَنَّ قِيَاسَهُ الْفَتْحُ فِي اسْمِ الْمَكَانِ إِذْ هُوَ مِنْ نَسَكَ يَنْسُكُ- بِضَمِّ الْعَيْنِ- فِي الْمُضَارِعِ. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْكَسْرِ فَهُوَ سَمَاعِيٌّ مِثْلُ مَسْجِدٍ مِنْ سَجَدَ يَسْجُدُ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنَّ الْكِسَائِيَّ سَمِعَهُ مِنَ الْعَرَبِ.

وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى مَا أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥) .

اعْتِرَاضٌ بَيْنَ سَوْقِ الْمِنَنِ، وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُ هَذِهِ الصِّفَاتِ هُمُ الْمُسْلِمُونَ.

وَالْمُخْبِتُ: الْمُتَوَاضِعُ الَّذِي لَا تَكَبُّرَ عِنْدَهُ. وَأَصْلُ الْمُخْبِتِ مَنْ سَلَكَ الْخَبْتَ. وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ ضِدُّ الْمُصْعِدِ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلْمُتَوَاضِعِ