وَلِلزَّمَخْشَرِيِّ فِي «مَقَامَاتِهِ» : «يَا أَبَا الْقَاسِمِ اقْنَعْ مِنَ الْقَنَاعَةِ لَا مِنَ الْقُنُوعِ، تَسْتَغْنِ عَنْ كُلِّ مِعْطَاءٍ وَمَنُوعٍ» . وَفِي «الْمُوَطَّأِ» فِي كِتَابِ الصَّيْدِ قَالَ مَالِكٌ: «وَالْقَانِعُ هُوَ الْفَقِيرُ» .
وَالْمُعْتَرُّ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنِ اعْتَرَّ، إِذَا تَعَرَّضَ لِلْعَطَاءِ، أَيْ دُونَ سُؤَالٍ بَلْ بِالتَّعْرِيضِ وَهُوَ أَنْ يَحْضُرَ مَوْضِعَ الْعَطَاءِ، يُقَالُ: اعْتَرَّ، إِذَا تَعَرَّضَ. وَفِي «الْمُوَطَّأِ» فِي كِتَابِ الصَّيْدِ قَالَ مَالِكٌ: «وَسَمِعْتُ أَنَّ الْمُعْتَرَّ هُوَ الزَّائِرُ، أَيْ فَتكون من عرا إِذَا زَارَ» وَالْمُرَادُ زِيَارَةُ التَّعَرُّضِ لِلْعَطَاءِ.
وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَحْسَنُ وَيُرَجِّحُهُ أَنَّهُ عَطَفَ الْمُعْتَرَّ عَلَى الْقانِعَ، فَدَلَّ الْعَطْفُ عَلَى
الْمُغَايَرَةِ، وَلَوْ كَانَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ لَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ كَمَا لَمْ يُعْطَفْ فِي قَوْلِهِ وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ [الْحَج: ٢٨] .
وَجُمْلَةُ وكَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ اسْتِئْنَافٌ لِلِامْتِنَانِ بِمَا خَلَقَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لِنَفْعِ النَّاسِ. وَالْأَمَارَةُ الدَّالَّةُ عَلَى إِرَادَتِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ سَخَّرَهَا لِلنَّاسِ مَعَ ضَعْفِ الْإِنْسَانِ وَقُوَّةِ تِلْكَ الْأَنْعَامِ فَيَأْخُذُ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ الْعَدَدَ مِنْهَا وَيَسُوقُهَا مُنْقَادَةً وَيُؤْلِمُونَهَا بِالْإِشْعَارِ ثُمَّ بِالطَّعْنِ.
وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَوْدَعَ فِي طِبَاعِهَا هَذَا الِانْقِيَادَ لَمَا كَانَتْ أَعْجَزَ مِنْ بَعْضِ الْوُحُوشِ الَّتِي هِيَ أَضْعَفُ مِنْهَا فَتَنْفِرُ مِنَ الْإِنْسَانِ وَلَا تُسَخَّرُ لَهُ.
وَقَوْلُهُ كَذلِكَ هُوَ مِثْلُ نَظَائِرِهِ، أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ التَّسْخِيرِ الْعَجِيبِ الَّذِي تَرَوْنَهُ كَانَ تَسْخِيرُهَا لَكُمْ.
وَمَعْنَى لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ خَلَقْنَاهَا مُسَخَّرَةً لَكُمُ اسْتِجْلَابًا لِأَنْ تَشْكُرُوا اللَّهَ بِإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ. وَهَذَا تَعْرِيض بالمشركين إِذا وضعُوا الشُّكْر مَوْضِعَ الشُّكْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute