إِلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.
فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ نَظْمِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَنْعَامِ لَهُمْ آلَاتُ الِاسْتِدْلَالِ وَقَدِ انْعَدَمَتْ
مِنْهُمْ آثَارُهَا فَلَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَعْقِلُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [الْبَقَرَة: ١٧١] .
وَالْفَاءُ فِي جُمْلَةِ فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَابِ النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ:
فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها، وَفَذْلَكَةٌ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ، وَتَذْيِيلٌ لَهُ بِمَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ الْعُمُومِ.
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّها ضَمِيرُ الْقِصَّةِ وَالشَّأْنِ، أَيْ فَإِنَّ الشَّأْنَ وَالْقِصَّةَ هُوَ مَضْمُونُ الْجُمْلَةِ بَعْدَ الضَّمِيرِ، أَيْ لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ، أَيْ فَإِنَّ الْأَبْصَارَ وَالْأَسْمَاعَ طُرُقٌ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ، وَالْمُدْرِكَ لِذَلِكَ هُوَ الدِّمَاغُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الدِّمَاغِ عَقْلٌ كَانَ الْمُبْصِرُ كَالْأَعْمَى وَالسَّامِعُ كَالْأَصَمِّ، فَآفَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ اخْتِلَالُ الْعَقْلِ.
وَاسْتُعِيرَ الْعَمَى الثَّانِي لِانْتِفَاءِ إِدْرَاكِ الْمُبْصَرَاتِ بِالْعَقْلِ مَعَ سَلَامَةِ حَاسَّةِ الْبَصَرِ لِشَبَهِهِ بِهِ فِي الْحَالَةِ الْحَاصِلَةِ لِصَاحِبِهِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَبْصارُ، والْقُلُوبُ، والصُّدُورِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الشَّامِلِ لِقُلُوبَ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ، وَالْجَمْعُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ أَصْحَابِهَا.
وَحَرْفُ التَّوْكِيدِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ لِغَرَابَةِ الْحُكْمِ لَا لِأَنَّهُ مِمَّا يُشَكُّ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute