للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الْأَنْفَال: ٣٢] ، وَقَالَ: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [السَّجْدَة: ٢٨] فَذَكَرَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ [الْحَج: ٤٤] الْآيَةَ.

وَحُكِيَ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَكْرِيرِهِمْ ذَلِكَ تَجْدِيدًا مِنْهُمْ لِلِاسْتِهْزَاءِ وَتَوَرُّكًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَقْصُودُ إِبْلَاغُهُ إِيَّاهُمْ.

وَالْبَاءُ مِنْ قَوْلِهِ بِالْعَذابِ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الِاسْتِعْجَالِ بِشِدَّتِهِ كَأَنَّهُ قِيلَ يَحْرِصُونَ عَلَى تَعْجِيلِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ فِي أَوَّلِ [سُورَةِ الرَّعْدِ: ٦] .

وَلَمَّا كَانَ اسْتِعْجَالُهُمْ إِيَّاهُ تَعْرِيضًا مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ مُوقِنُونَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ أُعْقِبَ بِقَوْلِهِ:

وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ، أَيْ فَالْعَذَابُ الْمَوْعُودُ لَهُمْ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ. وَفِيه تأنيس للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ لِئَلَّا يَسْتَبْطِئُونَهُ.

وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَعَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُمْ إِنَّمَا اسْتَعْجَلُوا عَذَابَ الدُّنْيَا تَهَكُّمًا وَكِنَايَةً عَنْ إِيقَانِهِمْ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ بِلَازِمٍ وَاحِدٍ، وَإِيمَاءً إِلَى عَدَمِ

وُقُوعِ عَذَابِ الْآخِرَةِ بِلَازِمَيْنِ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رَدًّا عَامًّا بِقَوْلِهِ: وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ تَثْبِيتًا لِلْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِإِنْذَارِهِمْ بِأَنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ لَا يُفْلِتُونَ مِنْهُ أَيْضًا وَهُوَ أَشَدُّ الْعَذَابِ.

فَقَوْلُهُ: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْرِيضِ بِالْوَعِيدِ، وَهَذَا الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.