للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِيلَاجُ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ: غَشَيَانُ ضَوْءِ النَّهَارِ عَلَى ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَإِيلَاجُ النَّهَارِ فِي اللَّيْلِ: غَشَيَانُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ ضَوْءِ النَّهَارِ. فَالْمُولَجُ هُوَ الْمُخْتَفِي، فَإِيلَاجُ اللَّيْلِ انْقِضَاؤُهُ. وَاسْتِعَارَةُ الْإِيلَاجِ لِذَلِكَ اسْتِعَارَةٌ بَدِيعَةٌ لِأَنَّ تَقَلُّصَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ يَحْصُلُ تَدْرِيجًا، وَكَذَلِكَ تَقَلُّصُ ضَوْءِ النَّهَارِ يَحْصُلُ تَدْرِيجًا، فَأَشْبَهَ ذَلِكَ إِيلَاجَ شَيْءٍ فِي شَيْءٍ إِذْ يَبْدُو دَاخِلًا فِيهِ شَيْئًا فَشَيْئًا.

وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ لَا عَجَبَ فِي النَّصْرِ الْمَوْعُودِ بِهِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْكَافِرِينَ مَعَ قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى تَغْلِيبِ النَّهَارِ عَلَى اللَّيْلِ حِينًا بَعْدَ أَنْ كَانَ أَمْرُهُمَا عَلَى الْعَكْسِ حِينًا آخَرَ قَادِرٌ عَلَى تَغْلِيبِ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ، فَصَارَ حَاصِلُ الْمَعْنَى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى نَصْرِهِمْ.

وَالْجَمْعُ بَيْنَ ذِكْرِ إِيلَاجِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ وَإِيلَاجِ النَّهَارِ فِي اللَّيْلِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى تَقَلُّبِ أَحْوَالِ الزَّمَانِ فَقَدْ يَصِيرُ الْمَغْلُوبُ غَالِبًا، وَيَصِيرُ ذَلِكَ الْغَالِبُ مَغْلُوبًا. مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى تَمَامِ الْقُدْرَةِ بِحَيْثُ تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ الْمُتَضَادَّةِ وَلَا تَلْزَمُ طَرِيقَةً وَاحِدَةً كَقُدْرَةِ الصُّنَّاعِ مِنَ الْبَشَرِ. وَفِيهِ إِدْمَاجُ التَّنْبِيهِ بِأَنَّ الْعَذَابَ الَّذِي اسْتَبْطَأَهُ الْمُشْرِكُونَ مَنُوطٌ بِحُلُولِ أَجَلِهِ، وَمَا الْأَجَلُ إِلَّا إِيلَاجُ لَيْلٍ فِي نَهَارٍ وَنَهَارٍ فِي لَيْلٍ.

وَفِي ذِكْرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِدْمَاجُ تَشْبِيهِ الْكُفْرِ بِاللَّيْلِ وَالْإِسْلَامِ بِالنَّهَارِ لِأَنَّ الْكُفْرَ ضَلَالَةُ اعْتِقَادٍ، فَصَاحِبُهُ مِثْلُ الَّذِي يَمْشِي فِي ظُلْمَةٍ، وَلِأَنَّ الْإِيمَانَ نُورٌ يَتَجَلَّى بِهِ

الْحَقُّ وَالِاعْتِقَادُ الصَّحِيحُ، فَصَاحِبُهُ كَالَّذِي يَمْشِي فِي النَّهَارِ، فَفِي هَذَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْإِيلَاجَ الْمَقْصُودَ هُوَ ظُهُورُ النَّهَارِ بَعْدَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، أَيْ ظُهُورُ الدِّينِ الْحَقِّ بَعْدَ ظُلْمَةِ الْإِشْرَاكِ، وَلِذَلِكَ ابْتُدِئَ فِي الْآيَةِ بِإِيلَاجِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ، أَيْ دُخُولِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ تَحْتَ ضَوْءِ النَّهَارِ.