للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالِاسْتِفْهَامُ: إِنْكَارِيٌّ، نَزَلَتْ غَفْلَةُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ عَنِ الِاعْتِبَارِ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ وَالِاعْتِدَادِ بِهَا مَنْزِلَةَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهَا، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ الْعَدَمُ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ أَهْمَلُوا الشُّكْرَ وَالِاعْتِبَارَ.

وَإِنَّمَا حُكِيَ الْفِعْلُ الْمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ الْإِنْكَارِيُّ مُقْتَرِنًا بِحَرْفِ (لَمْ) الَّذِي يُخَلِّصُهُ إِلَى الْمُضِيِّ، وَحُكِيَ مُتَعَلِّقُهُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً وَهُوَ الْإِنْزَالُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي كَذَلِكَ وَلَمْ يُرَاعَ فِيهِمَا مَعْنَى تَجَدُّدِ ذَلِكَ لِأَنَّ مَوْقِعَ إِنْكَارِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ هُوَ كَوْنُهُ أَمْرًا مُتَقَرِّرًا مَاضِيًا لَا يدّعى جَهله.

وفَتُصْبِحُ بِمَعْنَى تَصِيرُ فَإِنَّ خَمْسًا مِنْ أَخَوَاتِ (كَانَ) تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى: صَارَ.

وَاخْتِيرَ فِي التَّعْبِيرِ عَنِ النَّبَاتِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الشُّكْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِقَامَةِ أَقْوَاتِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ بِذِكْرِ لَوْنِهِ الْأَخْضَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ اللَّوْنَ مُمْتِعٌ لِلْأَبْصَارِ فَهُوَ أَيْضًا مُوجِبُ شُكْرٍ عَلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ جَمَالِ الْمَصْنُوعَاتِ فِي الْمَرْأَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ [النَّحْل: ٦] .

وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ مَصِيرِ الْأَرْضِ خَضْرَاءَ بِصِيغَةِ تُصْبِحُ مُخْضَرَّةً مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى

فِعْلِ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً الَّذِي هُوَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِأَنَّهُ قَصَدَ مِنَ الْمُضَارِعِ اسْتِحْضَارَ تِلْكَ الصُّورَةِ الْعَجِيبَةِ الْحَسَنَةِ، وَلِإِفَادَةِ بَقَاءِ أَثَرِ إِنْزَالِ الْمَطَرِ زَمَانًا بَعْدَ زَمَانٍ كَمَا تَقُولُ:

أَنْعَمَ فَلَانٌ عَلَيَّ فَأَرُوحُ وَأَغْدُو شَاكِرًا لَهُ.

وَفِعْلُ تُصْبِحُ مُفَرَّعٌ عَلَى فِعْلِ أَنْزَلَ فَهُوَ مُثْبَتٌ فِي الْمَعْنَى. وَلَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى النَّفْيِ وَلَا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُنْصَبْ بَعْدَ الْفَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِالْفَاءِ جَوَابٌ لِلنَّفْيِ إِذْ لَيْسَ الْمَعْنَى: أَلَمْ تَرَ فَتُصْبِحَ الْأَرْضُ.