أَزْوَاجُهُمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ، فَضَمَّنَ حافِظُونَ مَعْنَى عَدَمِ الْبَذْلِ، يُقَالُ: احْفَظْ عَلَيَّ عَنَانَ فَرَسِي كَمَا يُقَالُ: أَمْسِكْ عَلَيَّ كَمَا فِي آيَةِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ [الْأَحْزَاب: ٣٧] . وَالْمُرَادُ حِلُّ الصِّنْفَيْنِ مِنْ بَيْنِ بَقِيَّةِ أَصْنَافِ النِّسَاءِ. وَهَذَا مُجْمَلٌ تُبَيِّنُهُ تَفَاصِيلُ الْأَحْكَامِ فِي عَدَدِ الزَّوْجَاتِ وَمَا يَحِلُّ مِنْهُنَّ بِمُفْرَدِهِ أَوِ الْجَمْعِ بَيْنَهُ. وَتَفَاصِيلُ الْأَحْوَالِ مِنْ حَالِ حِلِّ الِانْتِفَاعِ أَوْ حَالِ عِدَّةٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ مَعْلُومٌ لِلْمُخَاطَبِينَ، وَكَذَلِكَ فِي الْإِمَاءِ.
وَالتَّعْبِيرُ عَنِ الْإِمَاءِ بِاسْمِ مَا الْمَوْصُولَةِ الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا لِغَيْرِ الْعَاقِلِ جَرَى عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى تَأْوِيلٍ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ تَصْرِيحٌ بِزَائِدٍ عَلَى حُكْمِ مَفْهُومِ الِاسْتِثْنَاءِ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِ عَدَمِ الْحِفْظِ عَلَى الْأَزْوَاجِ وَالْمَمْلُوكَاتِ لَا يَمْنَعُ الْفَلَاحَ فَأُرِيدَ زِيَادَةُ بَيَانٍ أَنَّهُ أَيْضًا لَا يُوجِبُ اللَّوْمَ الشَّرْعِيَّ، فَيَدُلُّ هَذَا بِالْمَفْهُومِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْحِفْظِ عَلَى مَنْ سِوَاهُنَّ يُوجِبُ اللَّوْمَ الشَّرْعِيَّ لِيَحْذَرَهُ الْمُؤْمِنُونَ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ تَفْرِيعٌ لِلتَّصْرِيحِ عَلَى مَفْهُومِ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي هُوَ
فِي قُوَّةِ الشَّرْطِ فَأَشْبَهَ التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ جَوَاب الشَّرْط فقرىء بِالْفَاءِ تَحْقِيقًا لِلِاشْتِرَاطِ.
وَزِيدَ ذَلِكَ التَّحْذِيرُ تَقْرِيرًا بِأَنْ فُرِّعَ عَلَيْهِ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ لِأَنَّ دَاعِيَةَ غَلَبَةِ شَهْوَةِ الْفَرْجِ عَلَى حِفْظِ صَاحِبِهِ إِيَّاهُ غَرِيزَةٌ طَبِيعِيَّةٌ يُخْشَى أَنْ تَتَغَلَّبَ عَلَى حَافِظِهَا، فَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ أَيْ وَرَاءَ الْأَزْوَاجِ وَالْمَمْلُوكَاتِ، أَيْ غَيْرَ ذَيْنَكَ الصِّنْفَيْنِ.
وَذُكِرَ حِفْظُ الْفَرْجِ هُنَا عَطْفًا عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ اللَّغْوِ لِأَنَّ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنِ اللَّغْوِ تَرْكُ اللَّغْوِ بِالْأَحْرَى كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا لِأَنَّ زَلَّةَ الصَّالِحِ قَدْ تَأْتِيهِ مِنَ انْفِلَاتِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ مِنْ جِهَةِ مَا أُودِعَ فِي الْجِبِلَّةِ مِنْ شَهْوَةِ اسْتِعْمَالِهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute