مَعْطُوفًا وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ مَعْطُوفَةً عَلَى مَحْذُوفٍ بِحَسَبِ مَا يَسْمَحُ بِهِ الْمَقَامُ.
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ طَرِيقَةُ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» وَفِي «مُغْنِي اللَّبِيبِ» أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ أَوَّلُ الْقَائِلِينَ بِهَا وَادَّعَى الدَّمَامِينِيُّ أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ مَسْبُوقٌ فِي هَذَا وَلَمْ يُعَيِّنْ مَنْ سَبَقَهُ فَإِنَّهُ قَدْ جَوَّزَ طَرِيقَةَ الْجُمْهُورِ وَجَوَّزَ أَنْ تَكُونَ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ هِيَ مَبْدَأَ الْجُمْلَةِ وَأَنَّ الْمُسْتَفْهَمَ عَنْهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ وَالتَّقْدِيرُ فِي مِثْلِهِ أَتُكَذِّبُونَهُمْ فَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ إِلَخْ. وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ تَكُونُ الْجُمْلَةُ اسْتِفْهَامِيَّةً مُسْتَأْنَفَةً مَحْذُوفًا بَقِيَّتُهَا ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهَا مَا عُطِفَ، وَلَا أَثَرَ لِهَذَا إِلَّا فِي اخْتِلَافِ الِاعْتِبَارِ وَالتَّقْدِيرُ فَأَمَّا مَعْنَى الْكَلَامِ فَلَا يَتَغَيَّرُ عَلَى كِلَا الِاعْتِبَارَيْنِ لِأَنَّ الْعَطْفَ وَالِاسْتِفْهَامَ كِلَيْهِمَا مُتَوَجِّهَانِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَهُمَا.
وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٦٥] : أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها أَنَّ الطَّرِيقَتَيْنِ جَائِزَتَانِ فِي جَمِيعِ مَوَاقِعِ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَهُوَ الْحَقُّ وَأَمَّا عَدَمُ تَعَرُّضِهِ لِذَلِكَ عِنْدَ آيَاتِ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [الْبَقَرَة: ٧٥] أَفَلا تَعْقِلُونَ [الْبَقَرَة: ٤٤] . أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ [الْبَقَرَة:
٨٥] فِيمَا مَضَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ فَذَلِكَ ذُهُولٌ مِنْهُ وَقَدْ تَدَارَكَهُ هُنَا.
وَعِنْدِي جَوَازُ طَرِيقَةٍ ثَالِثَةٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ عَنِ الْعَطْفِ وَالْمَعْنَى أَتَزِيدُونَ عَلَى مُخَالَفَاتِكُمُ اسْتِكْبَارَكُمْ كُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ إِلَخْ وَهَذَا مُتَأَتٍّ فِي حُرُوفِ التَّشْرِيكِ الثَّلَاثَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْوَاوِ وَالْفَاءِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَثُمَّ إِذا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ فِي سُورَة يُونُس [٥١] وَقَوله النَّابِغَةِ:
أَثَمَّ تَعَذَّرَانِ إِلَيَّ مِنْهَا ... فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُ وَقَدْ رَأَيْتُ
وَقَدِ اسْتَقْرَيْتُ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ فَوَجَدْتُ مَوَاقِعَهُ خَاصَّةً بِالِاسْتِفْهَامِ غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا رَأَيْتُ مِنَ الْأَمْثِلَةِ.
وَمَعْنَى الْفَاءِ هُنَا تَسَبُّبُ الِاسْتِفْهَامِ التَّعْجِيبِيِّ الْإِنْكَارِيِّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنْ تَقْفِيَةِ مُوسَى بِالرُّسُلِ أَيْ قَفَّيْنَا مُوسَى بِالرُّسُلِ فَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِكُمْ أَنَّ كُلَّ رَسُولٍ جَاءَكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ وَجَوَّزَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» كَوْنَ الْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ إِلَخْ فَفَعَلْتُمْ ثُمَّ وَبَّخَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَفَكُلَّما، فَالْهَمْزَةُ لِلتَّوْبِيخِ وَالْفَاءُ حِينَئِذٍ عَاطِفَةٌ مُقَدَّرًا مَعْطُوفًا عَلَى الْمُقَدَّرِ الْمُؤَهَّلِ لِلتَّوْبِيخِ، وَهُوَ وَجْهٌ بَعِيدٌ، وَمَرْمَى الْوَجْهَيْنِ إِلَى أَنَّ جُمْلَةَ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ إِلَخْ غَيْرُ مُرَادٍ مِنْهَا الْإِخْبَارُ بِمَدْلُولِهَا.
وَانْتَصَبَ (كُلَّمَا) بِالنِّيَابَةِ عَنِ الظَّرْفِ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إِلَى مَا الظَّرْفِيَّةِ الْمَصْدَرِيَّةِ وَالْعَامِلُ فِيهِ قَوْلُهُ: اسْتَكْبَرْتُمْ، وَقُدِّمَ الظَّرْفُ لِيَكُونَ مُوَالِيًا لِلِاسْتِفْهَامِ الْمُرَادِ مِنْهُ التَّعْجِيبُ لِيَظْهَرَ أَنَّ مَحَلَّ الْعَجَبِ هُوَ اسْتِمْرَارُ ذَلِكَ مِنْهُمُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ سَجِيَّةٌ لَهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِعَارِضٍ عَرَضَ فِيُُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute