للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَهُمْ بِالْحُجَّةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تُعَدْ فِي السُّؤَالَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ جُمْلَةُ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٨٤] اكْتِفَاءً بِالِافْتِتَاحِ بِهَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ بِلَامٍ جَارَّةٍ لِاسْمِ الْجَلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ حِكَايَةٌ لِجَوَابِهِمُ الْمُتَوَقَّعِ بِمَعْنَاهُ لَا بِلَفْظِهِ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا سُئِلُوا بِ (مَنْ) الَّتِي هِيَ لِلِاسْتِفْهَامِ عَنْ تَعْيِينِ ذَاتِ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ كَانَ مُقْتَضَى الِاسْتِعْمَالِ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ بِذِكْرِ اسْمِ ذَاتِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ، فَكَانَ الْعُدُولُ عَنْ ذَلِكَ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ كَوْنِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالْعَرْشِ مَمْلُوكَةً لِلَّهِ عُدُولًا إِلَى جَانِبِ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ مُرَاعَاةً لِكَوْنِ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ لُوحِظَ بِوَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةُ تَقْتَضِي الْمُلْكَ. وَنَظِيرُ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ مَا أَنْشَدَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَصَاحِبُ «الْمَطْلَعِ» (١) :

إِذَا قِيلَ مَنْ رَبُّ الْمَزَالِفِ وَالْقُرَى ... وَرَبُّ الْجِيَادِ الْجُرْدِ؟ قُلْتُ لَخَالِدُ

وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ سَبَقَهُمَا بِذِكْرِ هَذَا الْبَيْتِ وَلَعَلَّهُمَا أَخَذَاهُ مِنْ «تَفْسِيرِ الزَّجَّاجِ» وَلَمْ يَعْزُوَاهُ إِلَى قَائِلٍ وَلَعَلَّ قَائِلَهُ حَذَا بِهِ حَذْوَ اسْتِعْمَالِ الْآيَةِ.

وَأَقُولُ: إِنَّ الْأَجْدَرَ أَنْ نُبَيِّنَ وَجْهَ صَوْغِ الْآيَةِ بِهَذَا الْأُسْلُوبِ فَأَرَى أَنَّ ذَلِكَ لِقَصْدِ التَّعْرِيضِ بِأَنَّهُمْ يَحْتَرِزُونَ عَنْ أَنْ يَقُولُوا: رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ اللَّهُ، لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا مَعَ اللَّهِ أَرْبَابًا فِي السَّمَاوَاتِ إِذْ عَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ فَهُمْ عَدَلُوا عَمَّا فِيهِ نَفْيُ الرُّبُوبِيَّةِ عَنْ مَعْبُودَاتِهِمْ وَاقْتَصَرُوا عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّ السَّمَاوَاتِ مِلْكٌ لِلَّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ أَوْهَامَ شِرْكِهِمْ مِنْ أَصْلِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي التَّلْبِيَةِ فِي الْحَجِّ «لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكٌ هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» . فَفِي حِكَايَةِ جَوَابِهِمْ بِهَذَا اللَّفْظِ تَوَرُّكٌ عَلَيْهِمْ، وَلِذَلِكَ ذَيَّلَ حِكَايَةَ جَوَابِهِمْ بِالْإِنْكَارِ عَلَيْهِمُ انْتِفَاءَ اتِّقَائِهِمُ اللَّهَ تَعَالَى.


(١) «المطلع» تَفْسِير لِلْقُرْآنِ اسْمه «مطلع الْمعَانِي ومنبع المباني» لحسام الَّذين مُحَمَّد بن عُثْمَان الْعليا بَادِي السَّمرقَنْدِي كَانَ حيّا سنة/ ٦٢٨/ هـ.