للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذُكِرَ ذَلِكَ فِي «الْمُزْهِرِ» فَأَبَى أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي أَنْ سَرَى وَأَسْرَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ، لِأَنَّ أَسْرَى ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ. وَلَا فِي أَنَّ عَصَفَتِ الرِّيحُ وَأَعْصَفَتْ بِمَعْنَى وَاحِدٍ لِأَنَّهَا فِي الْقُرْآنِ، وَقَالَ: الَّذِي سَمِعْتُهُ فِي مَعْنَى الْخَلِيلِ أَنَّهُ أَصْفَى الْمَوَدَّةِ وَأَصَمَّهَا وَلَا أَزِيدُ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ فِي الْقُرْآنِ اهـ.

فَهَذَا ضَرْبٌ مِنَ الْوَرَعِ يَعْتَرِي بَعْضَ النَّاسِ لِخَوْفٍ، وَإِنَّهُ قَدْ يَعْتَرِي كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ، وَرُبَّمَا تَطَرَّقَ إِلَى بَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْأَحْوَالِ دُونَ بَعْضٍ، فَتَجِدُ مَنْ يَعْتَرِيهِ ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ وَلَا يَعْتَرِيهِ فِي الْعَقْلِ، وَقَدْ تَجِدُ الْعَكْسَ، وَالْحَقُّ أَنَّ اللَّهَ مَا كَلَّفَنَا فِي غَيْرِ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ بِأَكْثَرَ مِنْ حُصُولِ الظَّنِّ الْمُسْتَنِدِ إِلَى الْأَدِلَّةِ وَالْأَدِلَّةُ مُتَنَوِّعَةٌ عَلَى حَسَبِ أَنْوَاعِ الْمُسْتَنَدِ فِيهِ. وَأَدِلَّةُ فَهْمِ الْكَلَامِ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا.

أَمَّا الَّذِينَ جَمُدُوا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ يَجِبُ أَنْ لَا يَعْدُوَ مَا هُوَ مَأْثُورٌ فَهُمْ رَمَوْا هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَى عَوَاهِنِهَا وَلَمْ يَضْبُطُوا مُرَادَهُمْ مِنَ الْمَأْثُورِ عَمَّنْ يُؤْثَرُ، فَإِنْ أَرَادُوا بِهِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَفْسِيرِ بَعْضِ آيَاتٍ إِنْ كَانَ مَرْوِيًّا بِسَنَدٍ مَقْبُولٍ مِنْ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ، فَإِذَا الْتَزَمُوا هَذَا الظَّنَّ بِهِمْ فَقَدْ ضَيَّقُوا سَعَةَ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَيَنَابِيعَ مَا يُسْتَنْبَطُ مِنْ عُلُومِهِ، وَنَاقَضُوا أَنْفُسَهُمْ فِيمَا دَوَّنُوهُ مِنَ التَّفَاسِيرِ، وَغَلَّطُوا سَلَفَهُمْ فِيمَا تَأَوَّلُوُهُ، إِذْ لَا مَلْجَأَ لَهُمْ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ لَمْ يُقْصِرُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَنْ يَرْوُوا مَا بَلَغَهُمْ مِنْ تَفْسِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَهْلَ الْعِلْمِ عَنْ مَعَانِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْوُوا لَهُ بَلَغَهُمْ فِي تَفْسِيرِهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ أَرَادُوا بِالْمَأْثُورِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ وَعَنِ الصَّحَابَةِ خَاصَّةً وَهُوَ مَا يَظْهَرُ مِنْ صَنِيعِ السُّيُوطِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ «الدُّرِّ الْمَنْثُورِ» ، لَمْ يَتَّسِعْ ذَلِكَ الْمُضَيَّقُ إِلَّا قَلِيلًا وَلَمْ يُغْنِ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فَتِيلًا، لِأَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ لَا يُؤْثَرُ عَنْهُمْ فِي التَّفْسِيرِ إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ سِوَى مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ وَمَوْضُوعٍ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا عِنْدِي مِمَّا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ إِلَّا فَهْمًا يُؤْتِيهِ اللَّهُ. وَمَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَكَانَ أَكْثَرُ مَا يُرْوَى عَنْهُ قَوْلًا بِرَأْيِهِ عَلَى تَفَاوُتٍ بَيْنَ رُوَاتِهِ. وَإِنْ أَرَادُوا بِالْمَأْثُورِ مَا كَانَ مَرْوِيًّا قَبْلَ تَدْوِينِ التَّفَاسِيرِ الْأُوَلِ مِثْلَ مَا يُرْوَى عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَدْ أَخَذُوا يَفْتَحُونَ الْبَابَ مِنْ شِقِّهِ، وَيُقَرِّبُونَ مَا

بَعُدَ مِنَ الشُّقَّةِ. إِذْ لَا مَحِيصَ لَهُمْ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ التَّابِعِينَ قَالُوا أَقْوَالًا فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ