وَالْأَظْهَرُ أَنَّ جَوَابَ (إِذَا) هُوَ قَوْلُهُ الْآتِي قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١١٢] كَمَا سَيَأْتِي وَمَا بَيْنَهُمَا كُلُّهُ اعْتِرَاضٌ نَشَأَ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ.
وَضَمِيرُ بَيْنَهُمْ عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَتْ عَلَيْهِ ضَمَائِرُ جَمْعِ الْغَائِبِينَ قَبْلَهُ وَهِيَ عَائِدَةٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ.
وَمَعْنَى نَفْيِ الْأَنْسَابِ نَفْيُ آثَارِهَا مِنَ النَّجْدَةِ وَالنَّصْرِ وَالشَّفَاعَةِ لِأَنَّ تِلْكَ فِي عُرْفِهِمْ مِنْ لَوَازِمِ الْقَرَابَةِ. فَقَوْلُهُ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ النَّصِيرِ.
وَالتَّسَاؤُلُ: سُؤَالُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وَالْمَعْنِيُّ بِهِ التَّسَاؤُلُ الْمُنَاسِبُ لِحُلُولِ يَوْمِ الْهَوْلِ، وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا الْمَعُونَةَ وَالنَّجْدَةَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً [المعارج: ١٠] .
وَأَمَّا إِثْبَاتُ التَّسَاؤُلِ يَوْمَئِذٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ [الصافات: ٢٧- ٣٣] فَذَلِك بَعُدَ يَأْسُهُمْ مِنْ وُجُودِ نَصِيرٍ أَوْ شَفِيعٍ. وَفِي «الْبُخَارِيِّ» : أَنَّ رَجُلًا (هُوَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ الْخَارِجِيُّ) قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ قَالَ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ وَقَالَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى
بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ
[الصافات: ٢٧] فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا قَوْلُهُ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ فَهُوَ فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ اهـ. يُرِيدُ اخْتِلَافَ الزَّمَانِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قُلْنَاهُ.
وَذُكِرَ مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِدْمَاجٌ لِلتَّنْوِيهِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَتَهْدِيدُ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَجِدُونَ فِي مَوَازِينِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ شَيْئًا، قَالَ تَعَالَى: وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً [الْفرْقَان: ٢٣] . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ قَوْلِهِ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute