فِي إِقَامَتِهِ فَسَادًا. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ اللَّهَ الَّذِي شَرَعَ الْحَدَّ هُوَ أَرْأَفُ بِعِبَادِهِ مِنْ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ.
وَفِي «مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى» عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: «يُؤْتَى بِالَّذِي ضَرَبَ فَوْقَ الْحَدِّ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: عَبْدِي لِمَ ضَرَبْتَ فَوْقَ الْحَدِّ؟ فَيَقُولُ: غَضِبْتُ لَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ: أَكَانَ غَضَبُكَ أَشَدَّ مِنْ غَضَبِي؟ وَيُؤْتَى بِالَّذِي قَصَّرَ فَيَقُولُ: عَبْدِي لِمَ قَصَّرْتَ؟ فَيَقُولُ: رَحِمْتُهُ. فَيَقُولُ: أَكَانَتْ رَحْمَتُكَ أَشَدَّ مِنْ رَحْمَتِي.
وَيُؤْمَرُ بِهِمَا إِلَى النَّارِ»
. وَجُمْلَةُ: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ شَرْطٌ مَحْذُوفُ الْجَوَابِ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ، أَيْ لَا تُؤَثِّرْ فِيكُمْ رَأْفَةٌ بِهِمَا. وَالْمَقْصُودُ: شِدَّةُ التَّحْذِيرِ مِنْ أَنْ يَتَأَثَّرُوا بِالرَّأْفَةِ بِهِمَا بِحَيْثُ يُفْرَضُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَهَذَا صَادِرٌ مَصْدَرَ التَّلْهِيبِ وَالتَّهْيِيجِ حَتَّى يَقُولَ السَّامِعُ: كَيفَ لَا أَو من بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
وَعُطِفَ الْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ لِلتَّذْكِيرِ بِأَنَّ الرَّأْفَةَ بِهِمَا فِي تَعْطِيلِ الْحَدِّ أَوْ نَقْصِهِ نِسْيَانٌ لِلْيَوْمِ الْآخِرِ فَإِنَّ تِلْكَ الرأفة تقضي بِهِمَا إِلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمَا الْعِقَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ رَأْفَةٌ ضَارَّةٌ كَرَأْفَةِ تَرْكِ الدَّوَاءِ لِلْمَرِيضِ، فَإِنَّ الْحُدُودَ جَوَابِرٌ عَلَى مَا تُؤْذِنُ بِهِ أَدِلَّةُ الشَّرِيعَةِ.
وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
أَمَرَ أَنْ تَحْضُرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِقَامَةَ حَدِّ الزِّنَا تَحْقِيقًا لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَحَذَرًا مِنَ التَّسَاهُلِ فِيهِ فَإِنَّ الْإِخْفَاءَ ذَرِيعَةٌ لِلْإِنْسَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَشْهَدْهُ الْمُؤْمِنُونَ فَقَدْ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ عَدَمِ إِقَامَتِهِ فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُمْ إِهْمَالُهُ فَلَا يُعْدَمُ بَيْنَهُمْ مَنْ يَقُومُ بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ مِنْ تَعْطِيلِ الْحُدُودِ.
وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الْحُدُودِ مَعَ عُقُوبَةِ الْجَانِي أَنْ يَرْتَدِعَ غَيْرُهُ، وَبِحُضُورِ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَتَّعِظُ بِهِ الْحَاضِرُونَ وَيَزْدَجِرُونَ وَيَشِيعُ الْحَدِيثُ فِيهِ بِنَقْلِ الْحَاضِرِ إِلَى الْغَائِبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute