وَ (لَوْلا) هُنَا حَرْفٌ بِمَعْنَى (هَلَّا) لِلتَّوْبِيخِ كَمَا هُوَ شَأْنُهَا إِذَا وَلِيَهَا الْفِعْلُ الْمَاضِي وَهُوَ هُنَا ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ. وَأَمَّا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ فَهُوَ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الظَّنِّ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ وَمَحَلُّ التَّوْبِيخِ جُمْلَةُ: ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً فَأَسْنَدَ السَّمَاعَ إِلَى جَمِيعِ الْمُخَاطَبِينَ وَخَصَّ بِالتَّوْبِيخِ مَنْ سَمِعُوا وَلَمْ يُكَذِّبُوا الْخَبَرَ.
وَجَرَى الْكَلَامُ عَلَى الْإِبْهَامِ فِي التَّوْبِيخِ بِطَرِيقَةِ التَّعْبِيرِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ
دُونَ عَدَدِ الْجَمْعِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَظُنَّ خَيْرًا رَجُلَانِ، فَعَبَّرَ عَنْهُمَا بِالْمُؤْمِنِينَ وَامْرَأَةٌ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْمُؤْمِنَاتِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمرَان:
١٧٣] .
وَقَوْلُهُ: بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ فَيَقْتَضِي التَّوْزِيعَ، أَيْ ظَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْآخَرِينَ مِمَّنْ رَمَوْا بِالْإِفْكِ خَيْرًا إِذْ لَا يَظُنُّ الْمَرْءُ بِنَفْسِهِ.
وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات: ١١] أَيْ يَلْمِزُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَقَوْلِهِ: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [النُّور: ٦١] .
رُوِيَ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ الْإِفْكِ قَالَ لِزَوْجِهِ: أَلَا تَرَيْنَ مَا يُقَالُ؟
فَقَالَتْ لَهُ: لَوْ كُنْتَ بَدَلَ صَفْوَانَ أَكُنْتَ تَظُنُّ بِحُرْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ سُوءًا؟ قَالَ: لَا. قَالَتْ: وَلَوْ كُنْتُ أَنَا بَدَلَ عَائِشَةَ مَا خُنْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَعَائِشَةُ خَيْرٌ مِنِّي وَصَفْوَانُ خَيْرٌ مِنْكَ. قَالَ: نَعَمْ.
وَتَقْدِيمُ الظَّرْفِ وَهُوَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ عَلَى عَامِلِهِ وَهُوَ قُلْتُمْ [النُّور: ١٦] لِلِاهْتِمَامِ بِمَدْلُولِ ذَلِكَ الظَّرْفِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ كَانَ مِنْ وَاجِبِهِمْ أَنْ يَطْرُقَ ظَنُّ الْخَيْرِ قُلُوبَهُمْ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ الْخَيْر وَأَن يتبرؤا مِنَ الْخَوْضِ فِيهِ بِفَوْرِ سَمَاعِهِ.
وَالْعُدُولُ عَنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ فِي إِسْنَادِ فِعْلِ الظَّنِّ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ الْتِفَات، فَمُقْتَضى الظَّاهِر أَنْ يُقَالَ: ظَنَنْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ خَيْرًا، فَعَدَلَ عَنِ الْخِطَابِ لِلِاهْتِمَامِ بِالتَّوْبِيخِ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ ضَرْبٌ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ، وَلِيُصَرِّحَ بِلَفْظِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute