فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. فَالْمُرَادُ مِنْ أُولِي الْفَضْلِ ابْتِدَاءً أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُرَادُ مِنْ أُولِي الْقُرْبَى ابْتِدَاءً مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَتَعُمُّ الْآيَةُ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ شَارَكُوا فِي قَضِيَّةِ الْإِفْكِ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَشْمَلُهُ عُمُومُ لَفْظِهَا فَقَدْ كَانَ لِمِسْطَحٍ عَائِلَةٌ تَنَالُهُمْ نَفَقَةُ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ جمَاعَة من الْمُؤْمِنِينَ قَطَعُوا مَنَافِعَهُمْ عَنْ كُلِّ مَنْ قَالَ فِي الْإِفْكِ وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَصِلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ. فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي جَمِيعِهِمْ.
وَلَمَّا قَرَأَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي. وَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ وَأَهْلِهِ مَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَكَفَّرَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ، رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَلا يَأْتَلِ. وَالْايْتِلَاءُ افْتِعَالٌ مِنَ الْأَلِيَّةِ وَهِيَ الْحَلِفُ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ الْأَلِيَّةِ فِي الْحَلِفِ عَلَى امْتِنَاعٍ، يُقَالُ: آلَى وَائْتَلَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٢٦] . وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَلَا يَتَأَلَّ مِنْ تَأَلَّى تَفْعَلُ مِنَ الأَلِيَّةِ.
وَالْفَضْلُ: أَصْلُهُ الزِّيَادَةُ فَهُوَ ضِدُّ النَّقْصِ، وَشَاعَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْخَيْرِ وَالْكَمَالِ الدِّينِيِّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَيُطْلَقُ عَلَى زِيَادَةِ الْمَالِ فَوْقَ حَاجَةِ صَاحِبِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا لِأَنَّ عَطْفَ وَالسَّعَةِ عَلَيْهِ يُبْعِدُ ذَلِكَ. وَالْمَعْنِيُّ مِنْ أُولِي الْفَضْلِ ابْتِدَاءً أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ.
وَالسَّعَةُ: الْغِنَى. وَالْأَوْصَافُ فِي قَوْلِهِ: أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُقْتَضِيَةٌ الْمُوَاسَاةَ بِانْفِرَادِهَا، فَالْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ مُوَاسَاةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَدٌّ لِبَابٍ عَظِيمٍ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَنَاهِيكَ بِمَنْ جَمَعَ الْأَوْصَافَ كُلَّهَا مِثْلُ مِسْطَحٍ الَّذِي نَزَلَتِ الْآيَةُ بِسَبَبِهِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَلا تُحِبُّونَ إِنْكَارِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّحْضِيضِ عَلَى السَّعْيِ فِيمَا بِهِ الْمَغْفِرَةُ وَذَلِكَ الْعَفْوُ وَالصَّفْحُ فِي قَوْلِهِ: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا. وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ قَدْ تَعَارَضَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ سَبَبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute