للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِالتَّحْتِيَّةِ، وَذَلِكَ وَجْهٌ فِي الْفِعْلِ الْمُسْنَدِ إِلَى ضَمِيرِ جَمْعِ تَكْسِيرِ.

وَقَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ ذِكْرَ شَهَادَةِ الْأَعْضَاءِ يُثِيرُ سُؤَالًا

عَنْ آثَارِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ فَيُجَابُ بِأَنَّ أَثَرَهَا أَنْ يُجَازِيَهُمُ اللَّهُ عَلَى مَا شَهِدَتْ بِهِ أَعْضَاؤُهُمْ عَلَيْهِمْ. فَدِينُهُمْ جَزَاؤُهُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ: مَلِكِ يَوْم الدَّين [الْفَاتِحَة: ٤] .

والْحَقَّ نَعْتٌ لِلدِّينِ، أَيِ الْجَزَاءُ الْعَادِلُ الَّذِي لَا ظُلْمَ فِيهِ فَوُصِفَ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ.

وَقَوْلُهُ: وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ أَيْ يَنْكَشِفُ لِلنَّاسِ أَنَّ اللَّهَ الْحَقُّ.

وَوَصْفُ اللَّهِ بِأَنَّهُ الْحَقَّ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ لِإِفَادَةِ تَحَقُّقِ اتِّصَافِهِ بِالْحَقِّ، كَقَوْلِ الْخَنْسَاءِ:

تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حَتَّى إِذَا ادَّكَرَتْ ... فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ

وَصِفَةُ اللَّهِ بِأَنَّهُ الْحَقَّ بِمَعْنَيَيْنِ:

أَوَّلُهُمَا: بِمَعْنَى الثَّابِتِ الْحَاقِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ وُجُودَهُ وَاجِبٌ فَذَاتُهُ حَقٌّ مُتَحَقِّقَةٌ لَمْ يَسْبِقْ عَلَيْهَا عَدَمٌ وَلَا انْتِفَاءٌ فَلَا يُقْبَلُ إِمْكَانُ الْعَدَمِ. وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي اسْمِهِ تَعَالَى: الْحَقَّ اقْتَصَرَ الْغَزَالِيُّ فِي «شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى» .

وَثَانِيهُمَا: مَعْنَى أَنَّهُ ذُو الْحَقِّ، أَيِ الْعَدْلِ وَهُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ وُقُوعَ الْوَصْفِ بَعْدَ قَوْلِهِ:

دِينَهُمُ الْحَقَّ. وَبِهِ فَسَّرَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ تَفْسِيرَ مَعْنَى الْحَقِّ هُنَا، أَيْ وَصْفَ اللَّهِ بِالْمَصْدَرِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ تَفْسِير الِاسْم. وَيحْتَمل إِرَادَة الْإِخْبَار عَن الله بِأَنَّهُ صَاحب هَذَا الِاسْمِ وَهَذَا الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ ابْنُ بَرَّجَانَ الْإِشْبِيلِيُّ (١) فِي كِتَابِهِ «شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى» وَالْقُرْطُبِيُّ فِي «التَّفْسِيرِ» .


(١) هُوَ عبد السَّلَام بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن برّجان- بموحدة مَفْتُوحَة فراء مُشَدّدَة مَفْتُوحَة فجيم مَفْتُوحَة فألف مَفْتُوحَة فألف فنون- الإشبيلي الْمُتَوفَّى سنة/ ٥٣٦/ هـ. ألف «شرح الْأَسْمَاء الْحسنى» وَجمع مائَة وَثَلَاثِينَ اسْما. وَهُوَ شرح على طَريقَة حكماء الصُّوفِيَّة. تُوجد مِنْهُ نُسْخَة وحيدة بتونس.