للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دَخَلَ مشربَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَرَفَعْتُ بَصَرِي إِلَى السَّقْفِ فَرَأَيْتُ أُهْبَةً مُعَلَّقَةً» .

وَقَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الثَّانِيَةُ»

. وَفِي هَذَا الْأَمْرِ بِالْغَضِّ أَدَبٌ شَرْعِيٌّ عَظِيمٌ فِي مُبَاعَدَةِ النَّفْسِ عَنِ التَّطَلُّعِ إِلَى مَا عَسَى أَنْ يُوقِعَهَا فِي الْحَرَامِ أَوْ مَا عَسَى أَنْ يُكَلِّفَهَا صَبْرًا شَدِيدًا عَلَيْهَا.

وَالْغَضُّ: صَرْفُ الْمَرْءِ بَصَرَهُ عَنِ التَّحْدِيقِ وَتَثْبِيتِ النَّظَرِ. وَيَكُونُ مِنَ الْحَيَاءِ كَمَا قَالَ عَنْتَرَةُ:

وَأَغُضُّ طَرَفِي حِينَ تَبْدُو جَارَتِي ... حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي مَأْوَاهَا

وَيَكُونُ مِنْ مَذَلَّةٍ كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:

فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ وَمَادَّةُ الْغَضِّ تُفِيدُ مَعْنَى الْخَفْضِ وَالنَّقْصِ.

وَالْأَمْرُ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ عَقِبَ الْأَمْرِ بِالْغَضِّ مِنَ الْأَبْصَارِ لِأَنَّ النَّظَرَ رَائِدُ الزِّنَى. فَلَمَّا كَانَ ذَرِيعَةً لَهُ قَصَدَ الْمُتَذَرِّعِ إِلَيْهِ بِالْحِفْظِ تَنْبِيهًا عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي غَضِّ الْأَبْصَارِ فِي مَحَاسِنِ

النِّسَاءِ. فَالْمُرَادُ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ حِفْظُهَا مِنْ أَنْ تُبَاشِرَ غَيْرَ مَا أَبَاحَهُ الدِّينُ.

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ إِلَى الْمَذْكُورِ، أَيْ ذَلِكَ الْمَذْكُورُ مِنْ غَضِّ الْأَبْصَارِ وَحِفْظِ الْفُرُوجِ.

وَاسْمُ التَّفْضِيلِ بِقَوْلِهِ: أَزْكى مَسْلُوبُ الْمُفَاضَلَةِ. وَالْمُرَادُ تَقْوِيَةُ تِلْكَ التَّزْكِيَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ جُنَّةٌ مِنِ ارْتِكَابِ ذُنُوبٍ عَظِيمَةٍ.

وَذُيِّلَ بِجُمْلَةِ: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ جَزَاءِ مَا يَتَضَمَّنُهُ الْأَمْرُ مِنَ الْغَضِّ وَالْحِفْظِ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنَ الْأَمْرِ الِامْتِثَالُ