للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَمَعْنَى مَا ظَهَرَ مِنْها مَا كَانَ مَوْضِعُهُ مِمَّا لَا تَسْتُرُهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ وَالْقَدَمَانِ.

وَفَسَّرَ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الزِّينَةَ بِالْجَسَدِ كُلِّهِ وَفَسَّرَ مَا ظَهَرَ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ قِيلَ وَالْقَدَمَيْنِ وَالشَّعْرِ. وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ فَالزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ هِيَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ بِحُكْمِ الْفِطْرَةِ بَادِيَةً يَكُونُ سَتْرَهَا مُعَطِّلًا الِانْتِفَاعَ بِهَا أَوْ مُدْخِلًا حَرَجًا عَلَى صَاحِبَتِهَا وَذَلِكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، وَأَمَّا الْقَدَمَانِ فَحَالُهُمَا فِي السَّتْرِ لَا يُعَطِّلُ الِانْتِفَاعَ وَلَكِنَّهُ يُعَسِّرُهُ لِأَنَّ الْحَفَاءَ غَالِبُ حَالِ نِسَاءِ الْبَادِيَةِ. فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ فِي سَتْرِهِمَا الْفُقَهَاءُ فَفِي مَذْهَبِ مَالك قَولَانِ: أشهر هما أَنَّهَا يَجِبُ سَتْرُ قَدَمَيْهَا، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ سَتْرُ قَدَمَيْهَا، أَمَّا مَا كَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مَشَقَّةٌ فِي سَتْرِهِ فَلَيْسَ مِمَّا ظَهَرَ مِنَ الزِّينَةِ مِثْلَ النَّحْرِ وَالثَّدْيِ وَالْعَضُدِ وَالْمِعْصَمِ وَأَعْلَى السَّاقَيْنِ، وَكَذَلِكَ مَا لَهُ صُورَةٌ حَسَنَةٌ فِي الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَرًّى كَالْعَجِيزَةِ وَالْأَعْكَانِ وَالْفَخْذَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا فِي إِرْخَاءِ الثَّوْبِ عَلَيْهِ حَرَجٌ عَلَيْهَا.

وَرَوَى مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ»

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرَادَ اللَّوَاتِي يَلْبَسْنَ مِنَ الثِّيَابِ الْخَفِيفَ الَّذِي يَصِفُ وَلَا يَسْتُرُ، أَيْ هُنَّ كَاسِيَاتٌ بِالِاسْمِ عاريات فِي الْحَقِيقَة اهـ. وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ بَشْكُوَالٍ مِنَ «الْمُوَطَّأِ» عَنِ الْقُنَازِعِيِّ قَالَ فَسَّرَ مَالِكٌ: إِنَّهُنَّ يَلْبَسْنَ الثِّيَابَ الرِّقَاقَ الَّتِي لَا تَسْتُرُهُنَّ اهـ.

وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ «جَامِعِ الْعَتَبِيِّةِ» قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَهَى النِّسَاءَ عَنْ لُبْسِ الْقَبَاطِيِّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي «شَرْحِهِ» : هِيَ ثِيَابٌ ضَيِّقَةٌ تَلْتَصِقُ بِالْجِسْمِ لِضِيقِهَا فَتَبْدُو ثخانة لَا بستها مِنْ نَحَافَتِهَا، وَتُبْدِي مَا يُسْتَحْسَنُ مِنْهَا، امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْها اهـ. وَفِي رِوَايَاتِ ابْنِ وَهْبٍ مِنْ «جَامِعِ الْعَتَبِيِّةِ» قَالَ مَالِكٌ فِي الْإِمَاءِ يَلْبَسْنَ الْأَقْبِيَةَ: مَا يُعْجِبُنِي فَإِذَا شَدَّتْهُ عَلَيْهَا كَانَ إِخْرَاجًا لِعَجْزَتِهَا.

وَجُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ إِبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ عُمُومِ مَنْعِ إِبْدَاءِ زِينَتِهِنَّ يَقْتَضِي إِبَاحَةَ إِبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّ