جَعَلَ اللَّهُ لِلْعَبِيدِ حَقًّا فِي الِاكْتِسَابِ لِتَحْرِيرِ أَنْفُسِهِمْ مِنَ الرِّقِّ وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ غِنًى لِلْعَبْدِ إِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْأَزْوَاجِ.
أَمَرَ اللَّهُ السَّادَةَ بِإِجَابَةِ مَنْ يَبْتَغِي الْكِتَابَةَ مِنْ عَبِيدِهِمْ تَحْقِيقًا لِمَقْصِدِ الشَّرِيعَةِ مِنْ بَثِّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْأُمَّةِ، وَلِمَقْصِدِهَا مِنْ إِكْثَارِ النَّسْلِ فِي الْأُمَّةِ، وَلِمَقْصِدِهَا مِنْ تَزْكِيَةِ الْأُمَّةِ وَاسْتِقَامَةِ دِينِهَا.
وَالَّذِينَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ أَوْ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ فَكاتِبُوهُمْ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ اخْتِيَارُ سِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيلِ.
وَدُخُولُ الْفَاءِ فِي فَكاتِبُوهُمْ لِتَضْمِينِ الْمَوْصُولِ مَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنِ ابْتَغَى الْكَتَابَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ، تَأْكِيدًا لترتب الْخَيْر عَلَى تَحَقُّقِ مَضْمُونِ صِلَةِ الْمَوْصُولِ بِأَنْ يَكُونَ كَتَرَتُّبِ الشُّرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ.
وَالْكِتَابُ: مَصْدَرُ كَاتَبَ إِذَا عَاقَدَ عَلَى تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ مِنَ الرِّقِّ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمَالِ يُدْفَعُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ مُنَجَّمًا، أَيْ مُوَزَّعًا عَلَى مَوَاقِيتَ مُعَيَّنَةٍ، كَانُوا فِي الْغَالِبِ يُوَقِّتُونَهَا بِمَطَالِعِ نُجُومِ الْمَنَازِلِ مِثْلَ الثُّرَيَّا فَلِذَلِكَ سَمَّوْا تَوْقِيتَ دَفْعِهَا نَجْمًا وَسَمَّوْا تَوْزِيعَهَا تَنْجِيمًا، ثُمَّ غَلَبَ ذَلِكَ فِي كُلِّ تَوْقِيتٍ فَيُقَالُ فِيهِ: تَنْجِيمٌ. وَكَذَلِكَ الدِّيَّاتُ وَالْحَمَالَاتُ كَانُوا يَجْعَلُونَهَا مُوَزَّعَةً عَلَى مَوَاقِيتَ فَيُسَمُّونَ ذَلِكَ تَنْجِيمًا وَكَانَ تَنْجِيمُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى السَّوَاءِ، قَالَ زُهَيْرٌ:
تُعَفَّى الْكُلُومُ بِالْمِئِينَ فَأَصْبَحَتْ ... يُنَجِّمُهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِمُجْرِمِ
وَسَمَّوْا ذَلِكَ كِتَابَةً لِأَنَّ السَّيِّدَ وَعَبْدَهُ كَانَا يُسَجِّلَانِ عَقْدَ تَنْجِيمٍ عِوَضَ الْحُرِّيَّةِ بِصَكٍّ يَكْتُبُهُ كَاتِبٌ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْكُتُبِ حِفْظٌ لَحِقِّ كِلَيْهِمَا أُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ التَّسْجِيلِ كِتَابَةٌ لِأَنَّ مَا يَتَضَمَّنُهُ هُوَ عَقْدٌ مِنْ جَانِبَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْكَاتِبُ وَاحِدًا وَالْكُتُبُ وَاحِدًا. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْف: كَاتب أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي بِمَكَّةَ وَأَحْفَظَهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ.
وَمَعْنَى إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً إِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّهُمْ لَا يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ إِلَّا تَحْرِيرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ تَمَكُّنًا مِنَ الْإِبَاقِ، وَذَلِكَ الْخَيْرُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَبِصِفَةِ الْأَمَانَةِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَحَقَّقَ دَوَامُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ عَجَزَ عَنْ إِكْمَالِ مَا عَلَيْهِ رَجَعَ عَبْدًا كَمَا كَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute