لِلْإِسْرَاجِ بِمَصَابِيحِ الزَّيْتِ لِأَنَّ الزُّجَاجَ شَفَّافٌ لَا يَحْجِبُ نُورَ السِّرَاجِ وَلَا يَحْجُبُ لَوْنَ الْخَمْرِ وَصَفَاءَهَا لِيَعْلَمَهُ الشَّارِبُ.
وَالزُّجَاجُ: صِنْفٌ مِنَ الطِّينِ الْمُطَيَّنِ مِنْ عَجِينِ رَمْلٍ مَخْصُوصٍ يُوجَدُ فِي طَبَقَةِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ هُوَ رَمْلَ الشُّطُوطِ. وَهَذَا الْعَجِينُ اسْمُهُ فِي اصْطِلَاحِ الْكِيمْيَاءِ (سِلِيكَا) يُخْلَطُ بِأَجْزَاءَ مِنْ رَمَادِ نَبْتٍ يُسَمَّى فِي الْكِيمْيَاءِ (صُودَا) وَيُسَمَّى عِنْدَ العَرَبِ الْغَاسُولَ وَهُوَ الَّذِي يَتَّخِذُونَ مِنْهُ الصَّابُونَ. وَيُضَافُ إِلَيْهِمَا جُزْءٌ مِنِ الْكِلْسِ (الْجِيرِ) وَمِنَ (الْبُوتَاسِ) أَوْ مِنْ (أُكْسِيدِ الرَّصَاصِ) فَيَصِيرُ ذَلِكَ الطِّينُ رَقِيقًا وَيُدْخَلُ لِلنَّارِ فَيُصْهَرُ فِي أَتُونٍ خَاصٍّ بِهِ شَدِيدِ الْحَرَارَةِ حَتَّى يَتَمَيَّعَ وَتَخْتَلِطَ أَجْزَاؤُهُ ثُمَّ يُخْرَجُ مِنَ الْأَتُونِ قِطَعًا بِقَدْرِ مَا يُرِيدُ الصَّانِعُ أَنْ
يَصْنَعَ مِنْهُ، وَهُوَ حِينَئِذٍ رَخْوٌ يُشْبِهُ الْحَلْوَاءَ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ قَابِلًا لِلِامْتِدَادِ وَلِلِانْتِفَاخِ إِذَا نُفِخَ فِيهِ بِقَصَبَةٍ مِنْ حَدِيدٍ يَضَعُهَا الصَّانِعُ فِي فَمِهِ وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِقِطْعَةِ الطِّينِ الْمَصْهُورَةِ فَيُنْفَخُ فِيهَا فَإِذَا دَاخَلَهَا هَوَاءُ النَّفَسِ تَمَدَّدَتْ وَتَشَكَّلَتْ بِشَكْلٍ كَمَا يَتَّفِقُ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ الصَّانِعُ بِتَشْكِيلِهِ بِالشَّكْلِ الَّذِي يَبْتَغِيهِ فَيَجْعَلُ مِنْهُ أَوَانِيَ مُخْتَلِفَةَ الأشكال من كؤوس وَبَاطِيَاتٍ وَقِنِّينَاتٍ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ وَقَوَارِيرَ لِلْخَمْرِ وَآنِيَةً لِزَيْتِ الْمَصَابِيحِ تَفْضُلُ مَا عَدَاهَا بِأَنَّهَا لَا تَحْجِبُ ضَوْءَ السِّرَاجِ وَتَزِيدُهُ إِشْعَاعًا.
وَقَدْ كَانَ الزُّجَاجُ مَعْرُوفًا عِنْدَ القدماء من الفنيقيين وَعِنْدَ الْقِبْطِ مِنْ نَحْوِ الْقَرْنِ الثَّلَاثِينَ قَبْلَ الْمَسِيحِ ثُمَّ عَرَفَهُ الْعَرَبُ وَهُمْ يُسَمُّونَهُ الزُّجَاجَ وَالْقَوَارِيرَ. قَالَ بَشَّارٌ:
ارْفُقْ بِعَمْرٍو إِذَا حَرَّكْتَ نِسْبَتَهُ ... فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ مِنْ قَوَارِيرِ
وَقَدْ عَرَفَهُ الْعِبْرَانِيُّونَ فِي عَهْدِ سُلَيْمَانَ وَاتَّخَذَ مِنْهُ سُلَيْمَانُ بَلَاطًا فِي سَاحَةِ صَرْحِهِ كَمَا وَرَدَ فِي قَوْله تَعَالَى: الَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ
[النَّمْل: ٤٤] . وَقَدْ عَرَفَهُ الْيُونَانُ قَدِيمًا وَمِنْ أَقْوَالِ الْحَكِيمِ (دِيُوجِينُوسَ الْيُونَانِيِّ) : «تِيجَانُ الْمُلُوكِ كَالزُّجَاجِ يُسْرِعُ إِلَيْهَا الْعَطَبُ» .
وَسَمَّى الْعَرَبُ الزُّجَاجَ بِلَّوْرًا بِوَزْنِ سِنَّوْرٍ وَبِوَزْنِ تَنُّورٍ. وَاشْتُهِرَ بِصِنَاعَتِهِ أَهْلُ الشَّامِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي «الْكَشَّافِ» : فِي زُجاجَةٍ أَرَادَ قِنْدِيلًا مِنْ زُجَاجٍ شَامي أَزْهَر اهـ. وَاشْتُهِرَ بِدِقَّةِ صُنْعِهِ فِي الْقَرْنِِِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute