يَقْتَضِيهِ دُخُولُ أَنْ، وَهِيَ حَرْفُ الِاسْتِقْبَالِ، عَلَى فِعْلِ يَحِيفَ. فَهُمْ خَافُوا مِنْ وُقُوعِ الْحَيْفِ بَعْدَ نَشْرِ الْخُصُومَةِ فَمِنْ ثَمَّةَ أَعْرَضُوا عَنِ التَّحَاكُمِ إِلَى الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأُسْنِدَ الْحَيْفُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ مَا شَرَعَهُ الْإِسْلَامُ حَيْفًا لَا يُظْهِرُ الْحُقُوقَ. وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ غَيْرُ مُنَزَّلٍ مِنَ اللَّهِ وَأَنْ يَكُونَ حُكْمُ الرَّسُولِ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ، فَهُمْ يَطْعَنُونَ فِي الْحُكْمِ وَفِي الْحَاكِمِ وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ مُنَزَّلَةٌ مِنَ اللَّهِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَالْكَلَامُ كِنَايَةٌ عَنْ إِنْكَارِهِمْ أَنْ تَكُونَ الشَّرِيعَةُ إِلَهِيَّةً وَأَنْ يَكُونَ الْآتِي بِهَا صَادِقًا فِيمَا أَتَى بِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ اتُّصِفُوا بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَكُلُّهَا نَاشِئَةٌ عَنْ عَدَمِ تَصْدِيقِهِمُ الرَّسُولَ سَوَاءً فِي ذَلِكَ مِنْ حَلَّتْ بِهِ قَضِيَّةٌ وَمَنْ لَمْ تَحُلَّ.
وَفِيمَا فَسَّرْنَا بِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا يُثْلِجُ صَدْرَ النَّاظِرِ وَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ سُكُوتِ السَّاكِتِ وَحَيْرَةِ الْحَائِرِ.
وبَلْ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ التَّنْبِيهِيِّ إِلَى خَبَرٍ آخَرَ. وَلَمْ يُؤْتَ فِي هَذَا الْإِضْرَابِ بِ أَمِ لِأَنَّ أَمِ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَطْفَ كَوْنِهِمْ ظَالِمِينَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي التَّنْبِيهِ بَلِ الْمُرَادُ بِهِ إِفَادَةُ اتِّصَافِهِمْ بِالظُّلْمِ دُونَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ قَدِ اتَّضَحَ حَالُهُمْ فَلَا دَاعِيَ لِإِيرَادِهِ بِصِيغَةِ اسْتِفْهَامِ التَّنْبِيهِ. وَلَيْسَتْ بَلْ هُنَا لِلْإِبْطَالِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إِبْطَالُ جَمِيعِ الْأَقْسَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّ مِنْهَا مَرَضُ قُلُوبِهِمْ وَهُوَ ثَابِتٌ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى قَصْدِ إِبْطَالِ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ خَاصَّةً، وَلَا عَلَى إِبْطَالِ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ.
وَجُمْلَةُ: أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ مستأنفة استئنافا بَيَانا لِأَنَّ السَّامِعَ بعد أَن طَنَّتْ بِأُذُنِهِ تِلْكَ الِاسْتِفْهَامَاتُ الثَّلَاثَةُ ثُمَّ أُعْقِبَتْ بِحَرْفِ الْإِضْرَابِ يَتَرَقَّبُ مَاذَا سَيُرْسِي عَلَيْهِ تَحْقِيقُ حَالِهِمْ فَكَانَ قَوْلُهُ: أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ بَيَانًا لِمَا يَتَرَقَّبُهُ السَّامِعُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute