مَسْرُورًا بِمَقْتَلِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَإِنَّهُ نَزَلَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِكِتَابِهِمْ وَفِيهِ هُدًى وَبُشْرَى، وَهَذِهِ حَالَةٌ تَقْتَضِي مَحَبَّةَ مَنْ جَاءَ بِهِ فَمِنْ حُمْقِهِمْ وَمُكَابَرَتِهِمْ عَدَاوَتُهُمْ لِمَنْ جَاءَ بِهِ فَالتَّقْدِيرُ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْعَقْلِ أَوْ حِلْيَةَ الْإِنْصَافِ. وَالْإِتْيَانُ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ لِأَنَّهُمْ مُنْكِرُونَ ذَلِكَ.
وَالْقَلْبُ هُنَا بِمَعْنَى النَّفْسِ وَمَا بِهِ الْحِفْظُ وَالْفَهْمُ، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْقَلْبَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْمَعْنَوِيِّ نَحْوَ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: ٣٧] كَمَا يُطْلِقُونَهُ أَيْضًا عَلَى الْعُضْوِ الْبَاطِنِيِّ الصَّنَوْبَرِيِّ كَمَا قَالَ:
كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا ومُصَدِّقاً حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوب فِي نَزَّلَهُ أَيِ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ عَدَاوَةِ الْيَهُودِ لِجِبْرِيلَ أَيْ أَنْزَلَهُ مُقَارِنًا لِحَالَةٍ لَا تُوجِبُ عَدَاوَتَهُمْ إِيَّاهُ لِأَنَّهُ أَنْزَلَهُ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكُتُبِ وَذَلِكَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. وَالْمُصَدِّقُ الْمُخْبِرُ بِصِدْقِ أَحَدٍ. وَأُدْخِلَتْ لَامُ التَّقْوِيَةِ عَلَى مَفْعُولِ مُصَدِّقاً لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَقْوِيَةِ ذَلِكَ التَّصْدِيقِ أَيْ هُوَ تَصْدِيقٌ ثَابِتٌ مُحَقَّقٌ لَا يَشُوبُهُ شَيْءٌ مِنَ التَّكْذِيبِ وَلَا التَّخْطِئَةِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَوَّهَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَوَصَفَ كُلًّا بِأَنَّهُ هُدًى وَنُورٌ كَمَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ.
وَتَصْدِيقُ الرُّسُلِ السَّالِفِينَ مِنْ أَوَّلِ دَلَائِلِ صِدْقِ الْمُصَدِّقِ لِأَنَّ الدَّجَاجِلَةَ الْمُدَّعِينَ النُّبُوَّاتِ يَأْتُونَ بِتَكْذِيبِ مَنْ قَبْلَهُمْ لِأَنَّ مَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْهُدَى يُخَالِفُ ضَلَالَاتِ الدَّجَّالِينَ فَلَا يَسَعُهُمْ تَصْدِيقُهُمْ وَلِذَا حَذَّرَ الْأَنْبِيَاءُ السَّابِقُونَ مِنَ الْمُتَنَبِّئِينَ الْكَذَبَةِ كَمَا جَاءَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْأَنَاجِيلِ.
وَالْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مَا سبقه وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ السَّبْقِ لِأَنَّ السَّابِقَ يَجِيءُ قَبْلَ الْمَسْبُوقِ وَلَمَّا كَانَ كِنَايَةً عَنِ السَّبْقِ لَمْ يُنَافِ طُولَ الْمُدَّةِ بَيْنَ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ وَالْقُرْآنِ وَلِأَنَّ اتِّصَالَ الْعَمَلِ بِهَا بَيْنَ أُمَمِهَا إِلَى مَجِيءِ الْقُرْآنِ فَجَعَلَ سَبْقَهُمَا مُسْتَمِرًّا إِلَى وَقْتِ مَجِيءِ الْقُرْآنِ فَكَانَ سَبْقُهُمَا مُتَّصِلًا.
وَالْهُدَى وَصْفٌ لِلْقُرْآنِ بِالْمَصْدَرِ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ فِي حُصُولِ الْهُدَى بِهِ. وَالْبُشْرَى الْإِخْبَارُ بِحُصُولِ أَمْرٍ سَارٍّ أَوْ بِتَرَقُّبِ حُصُولِهِ فَالْقُرْآنُ بَشَّرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمْ عَلَى هُدًى وَكَمَالٍ
وَرِضًى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَشَّرَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ سَيُؤْتِيهِمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَخَيْرَ الْآخِرَةِ.
فَقَدْ حَصَلَ مِنَ الْأَوْصَافِ الْخَمْسَةِ لِلْقُرْآنِ وَهِيَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِإِذن الله، وَبِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ عَلَى قَلْبِ الرَّسُولِ، وَأَنَّهُ مُصَدِّقٌ لِمَا سَبَقَهُ مِنَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ هَادٍ أَبْلَغَ هُدًى، وَأَنَّهُ بُشْرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute