للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُخْرِجُهُمُ الْمُنَافِقُونَ حِينَ يَجِدُونَ الْفُرْصَةَ لِذَلِكَ كَمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المُنَافِقُونَ: ٨] ، فَكَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ اتِّقَاءً مِنْ تَمَامِ أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَيُبْطِنُونَ الْكُفْرَ مُمَالَاةً لِأَهْلِ الشِّرْكِ حَتَّى إِذَا ظَهَرُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَلْمِزُوا الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا دِينَهُمْ، مَعَ مَا لِهَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ مَعَ قَوْلِهِ: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النُّور: ٥٤] ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَتُنْصَرُوا وَتَأْمَنُوا. وَمَعَ مَا رُوِيَ مِنْ حَوَادِثَ تُخَوِّفَ الْمُسْلِمِينَ ضَعْفَهُمْ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ فَكَانُوا مشفقين عَن غَزْوِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَمِنْ كَيْدِ الْمُنَافِقِينَ وَدَلَالَتِهِمُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَقِيلَ كَانَتْ تِلْكَ الْحَوَادِثُ سَبَبًا لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ.

قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ بَعْدَ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ خَائِفًا هُوَ وَأَصْحَابُهُ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانُوا فِيهَا خَائِفِينَ يُصْبِحُونَ وَيُمْسُونَ فِي السِّلَاحِ.

فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا يَأْتِي عَلَيْنَا يَوْمٌ نَأْمَنُ فِيهِ وَنَضَعُ السِّلَاحَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لَا تَغْبُرُونَ (أَيْ لَا تَمْكُثُونَ) إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَجْلِسَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ فِي الْمَلَأِ الْعَظِيمِ مُحْتَبِيًا لَيْسَ عَلَيْهِ حَدِيدَةٌ» . وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ

. فَكَانَ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتِ سَبَبًا لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي مَوْقِعِهَا هَذَا بِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْعُودِ بِهِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مُقْتَصِرًا عَلَى إِبْدَالِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا كَمَا اقْتَضَاهُ أَثَرُ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْعُودِ كَمَا كَانَ سَبَبُهُ مِنْ عِدَادِ الْأَسْبَابِ.

وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ وَاثِقِينَ بِالْأَمْنِ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَدَّمَ عَلَى وَعْدِهِمْ بِالْأَمْنِ أَنْ وَعَدَهُمْ بِالِاسْتِخْلَافِ فِي الْأَرْضِ وَتَمْكِينِ الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ فِيهِمْ تَنْبِيهًا لَهُمْ بِأَنَّ سُنَّةَ اللَّهِ أَنَّهُ لَا تَأْمَنُ أُمَّةٌ بَأْسَ غَيْرِهَا حَتَّى تَكُونَ قَوِيَّةً مَكِينَةً مُهَيْمِنَةً عَلَى أَصْقَاعِهَا. فَفِي الْوَعْدِ بِالِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْكِينِ وَتَبْدِيلِ الْخَوْفِ أَمْنًا إِيمَاءٌ إِلَى التَّهَيُّؤِ لِتَحْصِيلِ أَسْبَابِهِ مَعَ ضَمَانِ التَّوْفِيقِ لَهُمْ وَالنَّجَاحِ إِنْ هُمْ أَخَذُوا فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ مِلَاكَ ذَلِكَ هُوَ طَاعَةُ الله وَالرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النُّور: ٥٤] ، وَإِذَا حَلَّ الِاهْتِدَاءُ فِي النُّفُوسِ نَشَأَتِ الصَّالِحَاتُ